باري ريثولتز
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

ثلاث خطوات لازمة لإنهاء «بريكست»

عندما ناقشنا، في المرة الأولى، مسألة مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، بدا الزخم وكأن الأمر يتعلق بمغادرة الفريق أرض الملعب في هدوء. غير أن المفاوضات اللاحقة قد برهنت على أن «بريكست» هو معضلة حقيقية قائمة، ويرجع ذلك في جزء منه إلى الوعود المفرطة في البساطة خلال الفترة التي انتهت بالاستفتاء الشعبي البريطاني على الأمر.
بعد ذلك، وفي آخر مرة ناقشنا فيها مسألة «بريكست»، تعمدت كسر أحد المبادئ المفضلة عندي، وذلك عندما طرحت ذلك التوقع: لن يكون هناك «بريكست»! أو بعبارة أخرى أن المملكة المتحدة لن تغادر الاتحاد الأوروبي أبداً. وبحلول عام 2023، سوف ننظر إلى الوراء لمشاهدة المسألة السخيفة برمتها وكأنها الحلقة المفقودة من مسلسل «فولتي تاورز» الكوميدي البريطاني.
وقبل استشراف حلول هذه المعضلة، لديّ تحذير بسيط للسادة المستثمرين: إن توقيت قراءة بطاقة الطوارئ الموجودة في جيب المقعد أمامكم يكون قبل إقلاع الطائرة وليس بعده. ومع اشتعال النيران في أحد المحركات على ارتفاع 36 ألف قدم في السماء، فإن الفرصة الوحيدة السانحة للتفكير بهدوء شديد ووضوح تام بشأن الخيارات المتاحة للنجاة قد ضاعت!
وما يصح بحق المستثمرين يصح كذلك بحق السياسيين ودهاة السياسة.
ونظراً لأننا لسنا من بين المسافرين على متن هذه الرحلة المجنونة (لا داعي للقلق، فلدينا ما يكفينا من أوجاع على ذلك الجانب من الأطلسي)، دعونا نحاول التفكير فيما ينبغي فعله بشأن حالة الفوضى الراهنة.
أولاً، النظر في معتقدات الخصوم: ففي أي مفاوضات أو حوار، يحتاج كل ظرف إلى الإقرار بوجهات نظر الطرف الآخر. ويسفر الإخفاق في ذلك عن جمود للوضع الراهن وبلوغ الطريق المسدودة. وذلك السبب في فشل الحزبيين المتعصبين في الحكم بصورة جيدة.
وأولئك المؤيدون للبقاء في عضوية الاتحاد الأوروبي لا ينبغي ألا يكونوا من السطحية والعفوية لدرجة الإعلان عن أن مؤيدي المغادرة يفتقرون تماماً لكل جدارة أو فضيلة. ومن المؤكد، أن أنصار مغادرة الاتحاد قد بالغوا كثيراً في دعواهم وتعمدوا الكذب إبان حملة الحشد للاستفتاء، كما استغلوا حالة الخوف العنصري والخوف من الأجانب لإقصاء الناخبين (فهل يبدو ذلك مألوفاً لديكم؟).
لكن بمجرد نزع الخطاب العاطفي الطائش واستبعاد التجاوزات، فإن القضية الأساسية من حيث الجوهر تتعلق بحق أي دولة ذات سيادة في الانخراط في العلاقات الدولية، وبسط السيطرة على حدودها، وتحديد من له حق المواطنة على أراضيها. وهذه من القضايا الحقيقية والمعقدة، والاتحاد الأوروبي والحشد المؤيد له لم يتعاملوا مع هذه القضايا على الدوام بصورة صريحة أو مباشرة.
يحتاج مؤيدو المغادرة إلى الاعتراف بأن زعمهم أن الخروج من الاتحاد الأوروبي سوف يكون سريعاً، ورخيصاً، وسهلاً كان في أفضل الأحوال مجرد أمنيات وردية حالمة ومن الأوهام القاتمة في أسوئها؛ إذ كشفت السنوات الفاصلة التي تربو على عامين ونيف عن مدى التعقيد والتكاليف الباهظة ذات الصلة بمغادرة الاتحاد الأوروبي. وكان أنصار المغادرة، ومن خلال عدم الاعتراف بذلك، قد ساهموا بالفعل في حالة الجمود المزرية الراهنة.
ثانياً، إعادة تفعيل الحوار: هل استنفدتم كل هذا الوقت والعمل المضني لأجل صياغة الخروج البريطاني الموثوق به؟ إن التخلي عن الأمر برمته، والاعتراف بأنه من الجهود المهدرة بلا طائل هو من التكاليف الباهظة.
تحملت رئيسة الوزراء تيريزا ماي مهمة مستحيلة لمحاولة الوصول إلى نتيجة ذات جدوى، على اعتبار الوعود المقدمة سلفاً، ولقد كان أمراً مقضياً عليه منذ البداية.
وليس من المستغرب، أنها قد فشلت في إنجاز أي شيء يُذكر، وبالتالي، ولصالح بلادها، يجب عليها الرحيل بصرف النظر تماماً عن نتائج أي تصويت بالثقة، سلبية كانت أم إيجابية.
ويحتاج رئيس الوزراء الجديد إلى الاعتراف بما يمكن أن يقدمه كل طرف، وربما حتى الدعوة إلى إجراء استفتاء جديد. وبدلاً من التصويت المباشر صعوداً وهبوطاً، ينبغي أن يعكس التعقيدات والواقع الحقيقي للأمور الجارية. ولا ينبغي لأي استفتاء أن يكون نتيجة اختيار مجردة بين البقاء أو المغادرة، لكن لا بد من الاعتراف بأمرين مهمين للغاية؛ الثمن الحقيقي للمغادرة، والأضرار الاقتصادية الطويلة الأجل، مع تفسير واضح لما يجب على الاتحاد الأوروبي فعله للتعامل مع قضايا السيادة الوطنية الحقيقية إن استمرت المملكة المتحدة ضمن عضوية الاتحاد.
وبصرف النظر عن ذلك تماماً، ينبغي على البلاد مواجهة وعود ما قبل الاستفتاء التي صدرت عن أنصار المغادرة، واستبعاد الوعود التي تأكد كذبها، ثم التعامل مع ما تبقى منها.
ثالثاً، تحسين الاتحاد الأوروبي: تفسر نظرية اللعبة جزئياً لماذا ينبغي على الاتحاد الأوروبي التزام هذا الموقف المتصلب حيال المملكة المتحدة؛ وذلك خشية أن تتلمس بقية الدول الأعضاء في الاتحاد مميزات المغادرة وينفرط عقد الاتحاد تباعاً. لكن تم الإعراب عن هذه النقطة بكل وضوح. ويتيح التفكير الثاني فرصة أخرى: استغلال فوضى «بريكست» في التصدي لتحديات الشؤون الخارجية المشروعة، وتحديات السيادة، وتحديات الأمن التي تؤثر لا محالة في الدول الأعضاء كافة في الاتحاد الأوروبي.
إعادة تأكيد الالتزام بحلف شمال الأطلسي (الناتو) والالتزامات الأخرى المشتركة، وتناول أزمة اللاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط من زاوية أوروبية موسعة، واعتبار السبل المتاحة للتعامل مع التهديدات الأمنية الروسية، والتحديات الاقتصادية الصينية. وتمثل كل هذه القضايا المهمة المخاطرة والفرصة في آن واحد.
ويبقى الأمر الأساسي على النحو التالي: أدرك الشعب البريطاني أن «بريكست» لن يكون مجانياً أو سهلاً بحال. ولقد أثيرت الكثير من القضايا التي تحظى بالمصداقية والتي يلزم الاتحاد الأوروبي التعامل معها وتسويتها بما فيه صالح الاتحاد بأسره. وإنني أصر كذلك على توقعاتي السابقة بأن هناك حلولاً أخرى تلوح في أفق الأحداث، ومن شأن البداية الجديدة أن تساعد في ذلك كثيراً.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»