حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

دروس هندية

إذا أردت التأمل جيداً في أحوال ما يحصل حولك فلا بد من الخروج من الدائرة المباشرة والتفكير بشكل عملي خارج الصندوق.
أكتب هذه الكلمات من نقطة بعيدة عن مشكلات الشرق الأوسط وهمومه، أكتب لكم هذه الكلمات من الهند. الناس هنا مهمومون بتطوير نظم الحياة لتكون ذات مردود إيجابي أعظم ومليئة بقيم التكافل الاجتماعي والتعايش والتسامح. الهند التي ستصبح بعد سنوات قليلة جدا أكبر دولة في العالم من ناحية التعداد السكاني، تستعد لتتبوأ المركز الرابع بين أكبر الدول الاقتصادية في العالم متخطية ألمانيا، وبعد اليابان والصين وأميركا بالتتابع.
يحتل مواطنوها مراكز قيادية في أهم الشركات العالمية، جاليات منتشرة في معظم أنحاء العالم، تعمل وتنتج لتقدم أروع أمثلة العطاء والإنتاجية والتميز في المجالات كافة. إنها الديمقراطية الأكبر في العالم والنموذج العملي الناجح للدولة المدنية التي ترعى وتحمي قانونا يحفظ حقوق الكل على قدم المساواة. فالمواطنة وحدها هي أساس الانتماء، لا دخل للدولة في دينك أو مذهبك أو طائفتك أو قبلتك أو عشيرتك أو منطقتك أو أسرتك أو مدينتك أو لهجتك أو اسمك. فقط مواطنتك.
ترفعت الهند عن العصبيات الفرعية فكتب لها النجاح وسط تحديات مهولة، خطفت منها دول بأكملها مثل باكستان وبنغلاديش وسريلانكا ونيبال بعد أن قام الاستعمار البريطاني برسم حدود جديدة لم تكن لها وجود من قبل، أدى ذلك إلى انشغال الهند بحروب مع باكستان ومع الصين منافستها اللدود في المجالات كافة، ولكن الهند بدأت بالتدريج في الاهتمام بنفسها وتطوير شؤونها، فهي على الرغم من الكثافة السكانية والتحديات التي تأتي مع ذلك من فساد وفقر شديد، فإنها لم تتعرض أبدا لمجاعة، فهي لديها اكتفاء ذاتي في كل شيء وبجودة متصاعدة، استفادت بشكل استثنائي من النجاحات الباهرة لهنود المهجر، سواء من الاستثمارات أو العلاقات أو التحويلات المالية أو الأفكار بحيث تمكنت من إحداث نقلة نوعية هائلة.
واليوم هناك عشرات من الأمثلة الناجحة جدا للعلامات التجارية التي تعود ملكيتها إلى شركات هندية أو هنود في الخارج مثل ويبرو وتاج وأوبروي وتاتا وماهيندرا وباجاج وزيوت غلف وبرتش ليلاند وحديد ميتال وبوز للسمعيات، وغودريج وجاغوار ورانج روفر ولاند روفر وغيرها. الهند دولة ذات حضارة عريقة وعميقة جدا، ومن حقها أن تنغمس في الماضي، لأن لديها ماضياً بالفعل مميزاً ومجيداً، ولكنها قررت التركيز على بناء مستقبل لشعبها ليفتخر به قدر افتخاره بماضيه. فاهتمت بشكل استثنائي بتطوير التعليم والتدريب لتنتج عقولا مميزة تصدرها للعالم وتستفيد منها محليا إلى درجة جعلت أهم جامعاتها، وهي كلية الهند التقنية، أن تكون لديها معدلات قبول فيها أصعب من تلك التي لدى جامعة هارفارد العريقة.
الهند معجزة عملاقة باهرة تتشكل أمامنا، صدرت الريادة السياسية المثالية في شخص «غاندي» العظيم الذي أثر على مارتن لوثر كينغ، وبالتالي على مانديلا وعلى أوباما. وفي عالم الأعمال يكفي أن بيبسي وغوغل ونوكيا وماستر كارد وسيتي بنك يقودها هنود.
دروس وعبر متحركة تقدمها لنا الهند بوصفها دولة في العالم الثالث، كل المطلوب أن نخلع العنصرية والنظرة الدونية لهم لأن الوضع قد تغير تماما. فالهند تقود أمما ودولا وشعوبا.