إميل أمين
كاتب مصري
TT

أميركا وخطاب «حال الاتحاد»

جرى العرف أن يلقي الرئيس الأميركي مرة كل عام خطاباً رسمياً أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي بمجلسيه النواب والشيوخ، عرف تاريخياً باسم خطاب «حالة الاتحاد»، وفيه يبين الرئيس للأمة ما آل إليه حال البلاد والعباد من تغيرات، وما يأمل في بلورته من تشريعات، بالإضافة إلى رصده الأولويات الوطنية والاستراتيجيات المستقبلية.
هل سيلقي الرئيس ترمب هذا العام الخطاب المتوقع في 29 يناير (كانون الثاني) كما العادة كل عام؟
الشاهد أن هناك شكوكاً كثيرة، ولا سيما إذا استمرت حالة الإغلاق الحكومي الأطول في التاريخ الأميركي، بعد تضاد التوجهات واختلاف الإرادات بين الجمهوريين والديمقراطيين، من جراء طرح الرئيس ترمب الخاص ببناء جدار عازل على الحدود الأميركية – المكسيكية، الأمر الذي يرفضه الديمقراطيون، وربما لا يحبذه أيضاً الكثير من الجمهوريين، وإن كانوا يوارون ويدارون مشاعرهم حفاظاً على وحدة الحزب الذي تعرض لشروخ كثيرة من جراء سياسات الرئيس ترمب الداخلية والخارجية، على حد سواء.
يتساءل المراقب المحقق والمدقق «أي حال وصل إليه الاتحاد الأميركي بعد عامين من رئاسة غالبية قراراتها غير متوقعة مما يضع الأميركيين في حالة من القلق والترقب، سواء فيما يخص سياسات الدولة الخارجية، وحضورها على الصعيد الأممي، أو بالنسبة لرؤاها الداخلية، ووسط أمة قائمة على اختلاف الأعراق والأجناس منذ نشأتها وحتى الساعة؟».
بعيداً عن طلب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي من ترمب عدم إلقاء خطابه بسبب الظروف الأمنية، وغياب التأمين الكافي من جراء عدم دفع رواتب رجال الشرطة وبقية الأجهزة الاتحادية، تبقى المخاوف الاجتماعية أوسع حيزاً؛ فالنسيج الاجتماعي الأميركي من أعلاه إلى أدناه تعرض لضربات متتالية، وعوضاً عن أن يكون ترمب المرفأ الذي يرسو عليه الأميركيون الذين سئموا من الفساد السياسي للحزبين الكبيرين، وبدلاً من أن يكون حجر زاوية، أضحى حجر عثرة.
منذ الأيام الأولى لرئاسة ترمب، بدا وكأن الركن الأكبر في نشوء وارتقاء الأمة الأميركية، أي الهجرة لإدراك الحلم الأميركي، إلى زوال، والبداية من عند العالم الإسلامي ودوله ومنع الدخول من بعضها، وما تلا ذلك من جدالات ونقاشات في الساحات الإعلامية والقضائية، وما عززه من تيارات يمينية عنصرية، بدأت تصب جام غضبها على المهاجرين، بل وحتى على الأميركيين الأفارقة وليس العرب أو المسلمين منهم فقط.
عمّق الرئيس ترمب إشكالية كبيرة تتصل بالمخاوف الديموغرافية عند الرجل الأبيض من أن يصبح أقلية في الداخل الأميركي، ومن هنا يمكن للمرء أن يتفهم لماذا يسعى ترمب إلى إقامة السور العازل مع المكسيك؛ ذلك أنه لا يمثل ذاته في هذا السياق، بل يعبر عن ملايين أصابهم داء العنصرية، وضربتهم فيروسات الفوقية الإمبريالية التي لا تزال تحلم بجعل القرن الحادي والعشرين قرناً أميركياً بامتياز.
ما خسره الأميركيون خلال أسابيع الإغلاق الأخيرة يتجاوز تكاليف إقامة السور العازل، ويغيب عن أعين داعمي هذا الطرح أن عالمنا في حاجة إلى جسور بأكثر من عوزه لجدران، وقد رأى المعاصرون كيف أن الستار الحديدي الشيوعي قد ذهب إلى غير رجعة، في حين جدار برلين باتت أحجاره اليوم من قبيل الذكريات التي تباع في محال الهدايا، ليتذكر العالم أن الخصام لا مكان له مهما طال، وأن الوئام هو السيد في الحال والاستقبال.
على عتبات خطاب حالة الاتحاد، يدهش المرء إذا أدرك كم ازداد الدين الأميركي العام الخارجي، الذي تجاوز الـ22 تريليون دولار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفي حين حصة كل أميركي ترتفع من هذا الدين، يمضي الرئيس ترمب في إحياء برنامج حرب الكواكب أو النجوم، ذاك الذي وضع لبناته الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان، عام 1983، مع تكاليف مليارات الدولارات، كان لها أن تنفق على ترقية الأمة وتبديل أحوال فقرائها، الذين يجاوزون الأربعين مليوناً، في دولة الرفاه التي كانت.
لعل أفضل مثال يبيّن لنا حالة الاتحاد المنقسمة روحه في داخله ما يعتري الداخل الأميركي من قلق بشأن الرئاسة القادمة، فالجمهوريون أنفسهم يبحثون عن جواد رابح بخلاف الرئيس على غير التقليد الحزبي الديمقراطي والجمهوري معاً، بأن يكون الرئيس هو المرشح لولاية ثانية، أما الديمقراطيون فبلغ بهم السعي في البحث عن وجه جديد إلى التفكير في ترشيح فنانين وإعلاميين مثل أنجلينا جولي، أو أوبرا وينفري، ومؤخراً تحدث الممثل الأميركي ويل سميث بالقول إنه يفكر في الترشح للرئاسة رداً على الخطاب التفريقي العنصري الذي ساد البلاد العامين الماضيين.
لا ندري إن كنا سنستمع إلى الخطاب المعهود في موعده أم لا؟ لكن المؤكد أن هناك أزمة داخلية أميركية تكاد تمضي في العقود المقبلة بالاتحاد نفسه.