حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ترمب وبيلوسي: الجولة الأولى!

في التسعينات الميلادية من القرن الماضي كنت مشتركاً مع شركة «ديزني» العالمية في مشروع تثبيت علامتها التجارية باللغة العربية في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد النجاح منقطع النظير لفيلم الرسوم المتحركة «الأسد الملك»، وكان يقتضي الأمر مقابلة الأعضاء المعنيين في برلمانات العالم العربي لحثهم على إصدار قوانين تحمي حقوق الملكية الفكرية لما في ذلك من تأصيل للقانون وحماية للاقتصاد. وبقي لقاؤنا مع عضو مجلس الشعب السوري المسؤول عن اللجنة المعنية بالموضوع المقصود. ولما شرحنا له سبب المقابلة قال: «لكن أولاً لا بد أن تغيِّروا اسم الفيلم، لأن ذلك فيه إساءة لسيادة الرئيس»، قلنا له وأكدنا أن الموضوع غير شخصي، وأن الفيلم تمت ترجمته بكل لغات العالم الرئيسية، ولا علاقة لحافظ الأسد بالموضوع وبالتالي يجب ألا يربط البرلمان قانوناً له علاقة بقانون الملكية الفكرية وشخص رئيس الجمهورية، فما كان من النائب إلا أن انفعل وصاح غاضباً: «أصلاً كل المجلس فداء لحذاء الرئيس». وما زلت أتذكر ردة فعلي وكيف أنني جمدت من الدهشة وبحلقت فيه غير مصدق ولا قادر على التعليق حتى استرجعت هذا المشهد بعد سنوات، وأنا أرى نفس البرلمان يطبخ على عجالة صياغة معدلة لدستور سوريا يغيِّر فيها السن القانونية لرئاسة الجمهورية ليناسب بشار الأسد.
اليوم أحزن على حال البرلمانات العربية، وأنا أراقب مشهد المواجهة بين الرئيس دونالد ترمب ومجلس الكونغرس، حتى انتصرت السلطة «التشريعية» على السلطة «التنفيذية» عندما حدث تعارض مضرٌّ بالصالح العام للبلاد بسبب قرار للرئيس. وكذلك موقف البرلمان البريطاني الذي رأى الاعتراض وعدم الموافقة على قرار رئيسة الوزراء تيريزا ماي، وحكومتها الخاص بالخروج من الاتحاد الأوروبي والخطة المقدمة لأجل تنفيذ ذلك.
فصل السلطات لا يزال أهم أعمدة الديمقراطية، وليس فقط مفهوم حكم الأغلبية كما يردده الجميع. ففصل السلطات يمكِّن من تحقيق التوازن العدلي المنشود والحكم الرشيد المطلوب، بحيث تبقى جميع السلطات يراقب بعضها بعضاً، وبالتالي تمنع طغيان إحداها على الأخرى وتحولها إلى مستفرد ومضر، وهو ضد المفهوم الديمقراطي الذي أُسست عليه مناهج الحكم الحديث.
قيل قديماً في الشأن الاقتصادي إنه إذا ما «عطست» الولايات المتحدة أُصيب العالم بالزكام، وأعتقد جازماً أنه نظراً إلى مكانة أميركا وقدرتها على التأثير على العالم بأسره، يراقب العالم الديمقراطي المواجهات الجديدة الحاصلة بين الرئيس ترمب ومؤيديه الشعبويين الذين قرروا أن يغامروا بالتضحية بأسس وقيم وحقوق بُنيت عليها المفاهيم التي جعلت أميركا مميزة في سبيل نظرة عنصرية، حمائية ومحافظة لأنه في حالة «نجاحه» ستكون هناك حالة سقوط متتابعة في دول مختلفة داخل أوروبا، أما في حالة كبح رغباته من قبل الكونغرس الأميركي فسيتم وقف هذا التدهور الخطير.
هي صولات وجولات ولكنها ذات دلالة ومغزى في غاية الأهمية، وهي ليست بين دونالد ترمب ونانسي بيلوسي ولا هي بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولا هي بين المحافظين والليبراليين، ولكنها بين فوضى السلطة وفصل السلطات، وشتان ما بين المفهومين.
ما يحدث اليوم في أميركا هو مفترق طرق سياسي وتشريعي غير مسبوق يفوق بكثير في أهميته وتأثيره كل أحداث «فضيحة ووترغيت». وسيظل العالم يحبس أنفاسه حتى تتضح ملامح الصورة كاملة في المواجهة الحاصلة على الأجهزة السياسية والتشريعية والقانونية كافة.