حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

راقبوا الصين والهند!

هناك دولتان لا بد من النظر إليهما لأنهما سيكون لهما الأثر العظيم في الحراك المستقبلي اقتصادياً وسياسياً، وأنا هنا لا أقصد كما يتبادر للأذهان كلاً من الولايات المتحدة وروسيا، اللتان «تتشابكان» بصورة مستمرة وفي مواقع مختلفة، ولكني أقصد هنا الصين والهند. الصين تشكل ثقلاً اقتصادياً مهماً وفعالاً ومؤثراً على الصعيد العالمي، وكل حراك فيها له أصداء عميقة على المستوى الدولي، ولكن لدى الصين اليوم قلق وخوف واضح، فهي حققت نسبة نمو متدنية هي الأولى في تاريخها الذي شمل آخر ثلاثين سنة. الصين لم تعد تنمو بالشكل الذي كانت عليه سابقاً. دولة فيها متوسطو الدخل عددهم متزايد ولا يمكن أن تحافظ بشكل مستدام على نسبة نمو مزدوجة.
نسبة الدعم للشركات الحكومية الخاسرة وغير المنتجة منذ وصول الرئيس تشي إلى الحكم في زيادة مهولة. الصين لديها تاريخ واسع وعريض وقديم لشركات هائلة في القطاع العام وفي مجالات متشعبة ومتنوعة؛ مجالات مختلفة من الكهرباء إلى الحديد والصلب إلى الاتصالات، 34 في المائة من تلك الشركات خاسرة.
منذ الإصلاحات الهيكلية الحادة في اقتصادها، قامت الصين ببناء قطاع خاص ناجح وبربحية مستمرة، وهذا القطاع كان وحده المسؤول بالدرجة الأولى عن تحقيق الإنجازات الاقتصادية وإيجاد الوظائف الجديدة والمستحدثة ومن ثم منح الصين التميز الذي تجني ثماره اليوم. ولكن تحت إدارة الرئيس الحالي تشي، أدارت الصين ظهرها للقطاع الخاص، وركزت على دعم المؤسسات الحكومية والقطاع العام والاهتمام بها. في عام 2016 كانت نسبة القروض الجديدة إلى القطاع الخاص 11 في المائة مقابل 83 في المائة موجهة لشركات القطاع العام، وهذا تغيير مهول إذا ما قورن بفترة سابقة منذ 6 سنوات، عندما كانت نسبة القطاع الخاص 36 في المائة مقابل 48 في المائة للقطاع العام، وهذا له تكلفة مهولة على الاقتصاد الصيني، وبالتالي على الاقتصاد الدولي ما يعادل نقطتين مئويتين من إجمالي الناتج المحلي للصين سنوياً من عام 2007 إلى عام 2015.
الصين تعودت على ضخ أموال هائلة في اقتصادها مع كل بوادر أزمة في الأفق، وفي حالات كثيرة تكون الدولة نفسها هي المقرض والمقترض. بعد الأزمة المالية في عام 2008 قامت الحكومة الصينية بتقديم دعم مالي للاقتصاد «لإبقاء» نسب نمو كان ما يعادل نسبة 12 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وقد حافظ هذا الدعم على نسبة النمو، ولكن الثمن كان مكلفاً جداً، إذ إنه تسبب بارتفاع نسبة الدين العام حتى وصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 253 في المائة، وهي نسبة مرعبة على أقل تقدير ستؤدي حتماً للبطء في النمو على المدى الطويل. ومعظم هذا الدين يخص الشركات بشقيها الخاص والعام، وهذا سيكون له تبعات مكلفة.
إذا ما استطاعت أميركا أن «تنتصر» على الصين وتجعلها ترضخ لشروط جديدة في المباحثات التجارية معها، وهو المرجح، وكذلك خسارة الصين لاستثماراتها في فنزويلا مع الاضطراب السياسي الحاصل فيها، سيجعل ذلك من أزمة ديون الصين مسألة أشبه بالقنبلة الموقوتة التي متى انفجرت أصابت شظاياها الجميع.
أما الهند الديمقراطية الأعظم في العالم، فستشهد انتخابات برلمانية يراقبها العالم كتحدٍ جديد للديمقراطيات التي باتت مهددة من الحركات الشعبوية ومن اليمين المتطرف. الحزب الحاكم حالياً جنح إلى الخط الوطني المتشدد، ونتج عنه خطاب كراهية مليء بالعنصرية والإقصاء، ولكن لأن الهند مجتمع حي وحيوي ودستوره مدني، بدأ الحزب الحاكم في خسارة ثلاث ولايات كبرى، وكأن المجتمع الهندي يصلح الخطأ ويعود إلى الوسطية مجدداً.
الانتخابات الهندية سيراقبها العالم لإعادة الطمأنينة والأمان إلى الآلية الديمقراطية التي خطفت في بعض الأماكن لتتحول إلى وسيلة تركيز الطغيان والطغاة، مما ولد نماذج للحكم باسم الديمقراطية ولكنها في الواقع أبعد ما يكون عنها.
الصين والهند هما القوتان اللتان لهما الأثر الأعظم مستقبلاً، إنه العصر الآسيوي.