مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

في الهريبة كالغزال

قرر موقع إلكتروني بالسعودية في حائل إغلاق موقعه في وقت كل صلاة من الصلوات الخمسة - بمعنى سبع ساعات ونصف الساعة يومياً.
وقد عبر كثيرون هناك عن رغبتهم في أن تقتدي كل مواقع الإنترنت بهذه الخطوة.
وفي أحد المجالس دار بيننا نقاش حول هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض، ويستند معارضوه إلى أنه لم يرد ذكر أن الخلفاء الراشدين كانوا يفرضون على العامة التوقف عن ممارسة حياتهم اليومية وتجارتهم والتوجه إلى الصلاة.
وكنت الوحيد الذي لم أدخل أو أورط نفسي بالنقاش، غير أن من كان يجلس بجانبي عندما لاحظ أن على رأسي الطير، وإذا به يلكزني بكوعه في خاصرتي قائلاً: تكلم يا (......)، ما هو رأيك؟!، فقلت له: إنني مع وضد، وسمع كلامي كبيرنا في المجلس فقال بلغته الفصحى المقعّرة: هذا هو ديدنك في الحياة من أول ما عرفتك، طول عمرك سلبي وبامتياز، فرددت عليه قائلاً: شكراً، هذا شرف لا أدعيه وتهمة لا أدفعها، إنني يا سيدي أطبّق الحكمة الخالدة التي تقول: من خاف سلم، يعني أنني في الهريبة كالغزال.
---
إخواننا أهل مصر المحروسة اشتهروا بخصلتين لا يضاهيهم فيهما أحد، وهما: خفة الظل، والتمسك بمبادئ الأمثال، وهذا هو ما لمسته من أحدهم عندما كنت جالساً معه على الرصيف في أحد المقاهي الشعبية في قاهرة المعز، عندما أخذ يضرب لي الأمثال، وبين كل مثل وآخر كان يشفط شفطة عميقة من لَي الشيشة، ولا يحلو له إلا أن ينفث دخانها في وجهي، ومما أتذكره من هذه الأمثال أنه قال:
اسمع يا مشعل، علشان نقدر نعيش، لازم نعرف أن خير البر عاجله بس كل تأخيرة فيها خيرة، وأن معرفة الناس كنوز بس البعد عن الناس غنيمة، واصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب بس القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، وإدّي العيش لخبازه بس باب النجار مخلّع، والنار ما تحرقش مؤمن بس المؤمن مصاب ومبتلى، وفي السفر سبع فوائد بس من خرج من داره قل مقداره، ويا بخت من وفق راسين في الحلال بس امشي في جنازة ولا تمشيش في جوازة، صحيح كلنا أولاد تسعة بس يا باشا الناس مقامااااااات.
ولكي أكتفي من نفثه للدخان في وجهي وقفت مودعاً وأنا أقول له: عدّاك العيب، لكن صدقني أن أحلى ما في أمثالك كلها هي البسبسة.