إميل أمين
كاتب مصري
TT

تصاعد الإسلاموفوبيا... الواقع والمآلات

قبل بضعة أيام وخلال لقاء مباراة كرة القدم التي جمعت فريق ليفربول الإنجليزي ومواطنه وستهام، صدم الأوروبيون من الشعارات والهتافات التي أطلقها بعض المشجعين، والتي تحمل ملامح ومعالم عنصرية ضد اللاعب المصري محمد صلاح، وقد علت أصوات بعضهم منددة بعقيدة صلاح، فيما يعد شكلاً جديداً من أشكال انتقال الإسلاموفوبيا إلى صعيد الحياة الرياضية في الداخل الأوروبي، وهي التي تسربت إلى قطاعات من السياسيين والمثقفين في القارة العجوز، كما تنتشر كالنار في الهشيم بين أجزاء كبيرة من المجتمع الأميركي في الأعوام الأخيرة.
لم تكن الإسلاموفوبيا طرحاً جديداً منذ القرون الوسطى، ذلك أن هناك كثيراً من مفكري أوروبا في الزمن القروسطي قد مضوا في تصوير الإسلام بعيداً عن حقيقته، ما أجّج صدور الأوروبيين تجاه العرب والمسلمين، حدث ذلك في أوقات حروب الفرنجة كما سماها العرب، وربما عادت بعض من تلك الإرهاصات خلال العقدين الماضيين، وارتفع صوتها وعلا منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001 حتى اليوم.
ما جرى تجاه محمد صلاح مؤخراً تواكب زمنياً مع استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «يوجوف» البريطانية، ونشرته صحيفة «الديلي ميل»، وفيه إشارات تؤكد تصاعد موجة الإسلاموفوبيا في أوروبا وأميركا بشكل غير مسبوق.
على سبيل المثال، أكد 47 في المائة من الألمان وجود صراع أصولي بين تعاليم الدين الإسلامي وقيمهم المجتمعية، فيما وصلت النسبة عينها إلى 46 في المائة في فرنسا، وفي مقابل 38 في المائة في بريطانيا، و36 في المائة في الولايات المتحدة.
بعض البيانات الأخرى داخل الاستطلاع تقودنا إلى مخاوف حقيقية، ذلك أن الأوروبيين في حياتهم الشخصية، ولا سيما الزواج والارتباط بهدف تكوين أسرة، ما كانوا يتوقفون كثيراً، وبخاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عند مسألة الدين أو المعتقد لشريك الحياة، وفي ظل العلمانية الجافة التي وصف الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبرييه أنوارها بأنها تعمي، اعتبرت طبقات مجتمعية أوروبية أن الربط بين العقيدة الشخصية وبين بناء الأسرة مسألة رجعية لا محل لها في ثنايا وحنايا القرن الحادي والعشرين.
يقول 48 في المائة من الألمان، و47 في المائة من الفرنسيين، و33 في المائة من الأميركيين، و27 في المائة من البريطانيين، إنهم سيفكرون كثيراً في حالة إقدام أحد أقاربهم أو أصدقائهم على الزواج من شخص مسلم.
أما النتيجة الكبرى فمتصلة بالنسبة المئوية للذين تتملكهم مخاوف من الإسلام والمسلمين، وقد بلغت 72 في المائة من عينة الاستطلاع، وهؤلاء يرون أن هناك علاقة وثيقة بين الإسلام والإرهاب الذي تجري به المقادير على أراضي جانبي الأطلسي.
يعنّ لنا طرح علامة استفهام جذرية تقتضي إجابات موضوعية بعقلانية وهدوء وبعيداً عن الفكر المشبع بالعواطف... لماذا تتصاعد هذه النسبة؟ ومن المسؤول عن ذلك؟
الجواب يقودنا إلى منعطفات عدة، في المقدمة منها ما جاء في الاستطلاع من بيانات، ومنها على سبيل المثال أن نحو 59 في المائة ممن شملهم البحث في فرنسا، و63 في المائة في ألمانيا، اعترفوا بأنهم لا يعرفون شيئاً عن تعاليم الدين الإسلامي، كما أكد أكثر من ثلث البريطانيين والألمان أنهم لا يعرفون مسلمين بشكل شخصي.
يبدو واضحاً من الأرقام المتقدمة أن هناك حالة قصور شديدة في التواصل المعرفي بين قطاعات كثيرة في الغرب الأوروبي والأميركي فيما يخص التعرف على الإسلام والمسلمين بشكل شخصي، وهذا يعني أن الجسور قليلة إلى منعدمة، ولهذا فإن فرصة بناء الجدران العازلة تتعزز، وبنوع خاص في ظل حالة صحوة القوميات الأوروبية، وانتشار مبادئ اليمين الأميركي، وبينهما تبقى مسألة قبول الآخر المغاير دينياً وثقافياً أمراً طبيعياً.
يعنّ للمرء أن يقدم أسباباً ثلاثة غير جامعة أو مانعة لعودة الإسلاموفوبيا على هذا النحو...
أولاً؛ رواج المنظومة الدعائية المكذوبة المعروفة باسم «أسلمة أوروبا»، ذلك أن الشعار فقط يوحي لكثيرين من الأوروبيين بمخاوف وقلاقل، وهناك من ينفخ في النار لتزداد اشتعالاً، وهذا ما رأيناه من جماعات مختلفة من نوعية «حزب البديل من أجل ألمانيا»، والجماعات التي تسير في ركابه، وقد وصل نحو 100 منهم إلى البرلمان الألماني «البوندستاغ».
أما في إيطاليا فقد ارتفعت أصوات مثيرة للجدل، من عينة وزير الداخلية ماتيو سالفيني، وهناك في فرنسا وهولندا وبلجيكا وغيرهم من يمضي في أطر الإسلاموفوبيا البغيضة عينها.
ثانياً؛ العمليات الإرهابية التي قامت بها الجماعات الإرهابية، إن كانت «القاعدة» في العقد الماضي، أو الدواعش في الأعوام الأخيرة، قد سبّبت ردة وانتكاسة حضارية أوروبية وأميركية تجاه الإسلام والمسلمين، وبما لا يتوافق مع روح التنوير الأوروبية، وثلاثية المساواة والحرية والعدالة.
ثالثاً؛ هناك قصور واضح للغاية من قبل مسلمي أوروبا وأميركا في التواصل مع المجتمعات الغربية، وتقديم صورة حقيقية عن الإسلام السمح المعتدل القابل للآخر والمتعايش معه، والسعي إلى بناء دولة المواطنة كما يراها الغرب.
وفي الإطار نفسه لا نوفر قصوراً بعينه من قبل العواصم والعوالم العربية والإسلامية، التي عجزت حتى الساعة عن تقديم منظومة إعلامية مرئية ومقروءة ومسموعة بلغات أجنبية، تقدم صحيح الإسلام، لا منحوله.
مآلات تصاعد الإسلاموفوبيا خطيرة، ولا سيما في ضوء الحراك الجيوبولتيكي العالمي، وإعادة تشكل الهويات الثقافوية الإنسانوية حول العالم، وعدم الالتفات للظاهرة والتعاطي معها بعقلانية، ربما يولد كثيراً من التبعات السلبية على العالمين العربي والإسلامي في قادم الأيام.