مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

العفو عند المقدرة

لفتت نظري في المدة الأخيرة ظاهرة استشرت، ولا بد من وضع كابح لها، وهي: المبالغة والمزايدة بطلب «الديّات» للعفو عن القاتل.
ورغم أن الديّة قد حددت بـ300 ألف ريال، غير أن مطالبات بعض أهل القتيل قد وصلت أحياناً إلى عشرات الملايين، فأصبحت للأسف نوعاً من التجارة والتكسّب.
وتأثرت من مقابلة قرأتها في صحيفة «سبق» الإلكترونية أجرتها مع رجل فجع بمقتل ابنه، ويقول فيها:
«حين جاء موعد القصاص رفضت الحضور للساحة؛ لأني قد أعطيت ابني الأكبر وكالة في ذلك، إلا أن محافظ العلا طلب مني الحضور ولم يتكلم معي بشأن التنازل أو غيره لذلك حضرت، وقد شاهدت السيارات وتجمع الناس وشعرت حينها بكثير من العطف».
وتابع حديثه: «نزل القاتل ووضع على الأرض وتم تلقينه الشهادة، وحين رفع السياف السيف شعرت لحظتها بالعفو عند المقدرة، والأجر العظيم الذي سينالني - إن شاء الله - في حال العفو، وكل ذلك حصل في ثوانٍ، وكذلك منظر الناس وأصواتهم؛ فقررت في تلك اللحظة أن أعفو، وأمسكت بيد السياف وقلت له: عفوت عنه لوجه الله. أوقف التنفيذ» – انتهى.
فليس هناك أعظم أو أروع من العفو عند المقدرة.
وبالمناسبة، هناك رواية لحادثة أشك في صحتها، لكن لا بأس من إيرادها:
يحكى أن ثلاثة أشخاص حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة، وهم (رجل دين، ومحام، وعالم منطق)، وعند لحظة الإعدام تقدم رجل الدين ووضعوا رأسه تحت المقصلة، وسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها؟ فقال: الله، الله، الله، هو من سينقذني، وعند ذلك أنزلوا المقصلة، فنزلت، لكنها عندما وصلت إلى رأسه توقفت. تعجب الناس، وقالوا: أطلقوا سراحه فقد قال: الله، وهو كلمته، ونجا.
وجاء دور المحامي، فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كرجل الدين، لكن أعرف أكثر عن العدالة، العدالة، العدالة هي من ستنقذني. ونزلت المقصلة وعندما وصلت إلى رأسه توقفت، فتعجب الناس، وقالوا: أطلقوا سراحه فقد قال: العدالة، وهي كلمته ونجا. وأخيراً، جاء دور عالم المنطق فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كرجل الدين، ولا أعرف العدالة كالمحامي، لكني أعرف أن هناك عقدة في حبل المقصلة تمنعها من النزول، فنظروا إلى المقصلة ووجدوا فعلاً أن هناك عقدة تحول بينها وبين النزول، فأصلحوا العقدة، وأنزلوا المقصلة فقطعت رأسه.