طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مهرجان برلين يرد الاعتبار للمرأة

يبدو للوهلة الأولى وكأن مهرجان «برلين» يعيد للأذهان تجربة قاسم أمين المفكر المصري الذي ظهر في نهاية القرن التاسع عشر، ولقبوه بمحرر المرأة، كان يرفع شعار المساواة بين الجنسين، هكذا من الممكن أن يصف البعض على عجالة المهرجان في تلك الدورة الاستثنائية، والتي تسبق بعام واحد احتفاله بمرور 70 عاماً على انطلاقه، في ذروة زمن الحرب الباردة.
المهرجان في هذه الدورة على لسان رئيسه ديتر كوسليك، يتباهى بعدد النساء المشتركات لأول مرة في المسابقة الرسمية 7 من واقع 17 وهي تشكل نسبة لا أظنها حدثت من قبل، في أي مهرجان آخر مثل «فينسيا» أو «كان» كما أن المهرجان في الدورات الثلاث الأخيرة حصدت جوائزه الكبرى «الدب الذهبي» مرتين مخرجتان، الأولى من المجر والثانية من رومانيا، ولجنة التحكيم ترأستها هذه الدورة الفنانة الفرنسية جولييت بينوش، ولا أستبعد أن تحظي بالدب الذهبي واحدة من المخرجات، ورغم ذلك فإن المرأة لا يتم اختيارها لرئاسة لجنة ولا لاقتناص جائزة لكونها امرأة، ولكن أولاً وحتى عاشراً، لأنها تستحق.
كلنا كعرب مثلاً ننتظر أو بتعبير أدق نتمنى، أن تحصل المخرجة اللبنانية نادين لبكي بفيلمها «كفر ناحوم» على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، لم يسبق أن حققها أي مخرج عربي بعد 91 دورة من عمر هذه المسابقة الأميركية، وهذا يعد انتصاراً للسينما العربية وليست النسائية بالطبع، نادين أيضاً تُفضل أن ينظر إليها في العالم كله كمبدعة لبنانية عربية، ولا تعترف بتعبير سينما نسائية.
السينما المصرية باعتبارها هي السينما الأم قامت أساساً على أكتاف النساء العرب، من لبنان مثلاً آسيا داغر، وماري كويني، بالإضافة إلى المصريات بهيجة حافظ، وعزيزة أمير، وأمينة محمد، وفاطمة رشدي، وغيرهن.
البعض من أجل الدفاع عن المرأة يغفل أن الإبداع في عمقه يتجاوز تماماً تلك التقسيمات، سوف أنعش ذاكرتكم بمشهد سينمائي ساخر قبل 70 عاماً من فيلم «آه من الرجالة» الذي لعب بطولته مديحة يسري ومحمد فوزي عندما اختلف الحاضرون في ندوة أقيمت للدفاع عن حقوق المرأة، هل يقولون في الخطاب الافتتاحي أيها المحترمون أم أيتها المحترمات، «مين أم مات»، واشتعلت المعركة وتطايرت الكراسي، وهنا هتف صوت من داخل الصالة قائلاً: «هو مين اللي مات»، وهكذا قد يتبدد عمق الدفاع عن حق المرأة في تفاصيل شكلية.
المرأة لا تحتاج إلى «كوتة» مثل التي يطبقها رجال السياسة للدفاع عن الأقليات وتحديد نسبة تمثيل مسبقة، الإبداع لا يعرف ولا يعترف بـ«مين ولا مات».
بين الحين والآخر نتابع الغضب العارم الذي تكرر في العديد من المهرجانات السينمائية، حدث قبل أعوام قليلة في «كان» عندما خلت قائمة الأفلام في المسابقة الرسمية من اسم مخرجة، ووجهت النساء اتهاماً لإدارة المهرجان بالتحيز، وهو ما تكرر في «الأوسكار» هذه الدورة، عندما اكتشفوا أنه لا توجد امرأة بين الخمسة المرشحين لجائزة أفضل إخراج في المسابقة الرئيسية، وأراها غير متعمدة على الإطلاق، ولكنها تعبر عن رأي أغلب أعضاء الأكاديمية الدولية لعلوم وفنون السينما التي تُقيم تلك المسابقة، حتى لو كانت الأغلبية من الرجال، فهذا لا يعني أنهم منحازون ضد المرأة ـ
أتذكر في آخر لجنة تحكيم شاركت فيها لاختيار أفضل سيناريو، وتكونت اللجنة بالصدفة من خمسة رجال، منحنا بالإجماع الجائزة مناصفة لسيدتين لأنهما كانتا الأفضل، لا شيء يقف أمام الأجمل فنياً، سواء عليه توقيع رجل أو امرأة.