حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

حوار الأديان ليس عن الأديان

ليس في عنوان المقال تناقض، فكثير من عامة الناس، وحتى خاصتهم وفيهم بعض العلماء وطلبة العلم والكُتَّاب الصحافيين والمثقفين، يخلطون بين الحوار بين أتباع الديانات والتقريب بين الديانات. وقد كتب في الموضوع ذاته الزميل عبد الله المزهر الكاتب في صحيفة «مكة» السعودية في 2018 - 2 - 4، فذكر أن فكرة التقارب بين الأديان غير منطقية وغير قابلة للتطبيق أساساً، وأما فكرة أن أعدلَ في ديني وأضيف له بعض النكهات لكي يصبحَ مقبولاً مستساغاً لدى الآخر فهي فكرة لا علاقة لها بالتسامح. انتهى كلامه، وهنا مربط الفرس، فمن خلال تجربتي في العمل في المؤسسات والمراكز الإسلامية لأكثر من 25 عاماً في أميركا وفي بريطانيا وبقية الدول الأوروبية، ومن خلال حضوري لعدد كبير من المناشط الحوارية من مؤتمرات وندوات وورش عمل، ومن خلال الزيارات المتبادلة التي شهدتها بنفسي بين علماء المسلمين ونظرائهم من قسيسين ورهبان في الكنيسة والكنيس، وكذلك بينهم وبين رجال الدين البوذيين والهندوس وبقية رجال الدين في الملل والنحل الأخرى... في كل هذه اللقاءات والحوارات والمؤتمرات لم أجد فيها أثراً لحكاية التقريب بين الأديان بالمفهوم الذي ذكره الزميل المزهر وهو ما شاع وذاع بين الناس، بأن جوهر هذا التواصل بين قيادات الأديان العالمية المختلفة هو التعديل المتبادل بين الديانات لكي تُردم الهوة بينها، إطلاقاً، وقصارى ما تسعى إليه هذه المنتديات والحوارات مقارب لبنود حلف الفضول، كرفع المظالم وتعزيز قيم التعايش بين أتباع هذه الديانات ونزع فتيل الصراعات الدينية والطائفية والعرقية، والعمل على المشتركات الإنسانية كتعزيز السلم العالمي، ومعالجة التحديات المعاصرة التي تواجه المجتمعات، بما في ذلك التصدي للاضطهاد والعنف والصراع باسم الدين، كالانتهاكات المريعة التي تجري ضد المسلمين في ميانمار التايلندية أو للأقليات الدينية في العراق وسوريا مسيحيين وإزيديين.
ولا أبالغ إذا قلت إن مجلس إدارة مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الديانات والثقافات في فيينا النمساوية والمكون من ممثلي عدد من الديانات العالمية، والذي أشرف بعضوية مجلس إدارته منذ عام 2012، يناقش في جدول أعماله أي شيء إلا الأمور الدينية، ناهيك أن يكون الموضوع المدرج إجراء تعديلات على عقائد وشرائع الأديان المختلفة. هذا ما لا يمكن تصوره عقلاً ولا منطقاً، وإلا كان من لازمه أن نرى الحدود بين الديانات والمذاهب قد بدأت تذوب وتتلاشى، ولرأينا اليهودية قد ذابت في المسيحية، أو العكس، ولرأينا الإسلام قد ذاب في دين الأكثرية في الدول الغربية. فإذا كانت المذاهب داخل المسيحية مثل البروتستانتية والكاثوليكية والأرثوذكسية قد حافظت على حدودها وهويتها من أي تعديلات وتبديلات وتحويرات خشية الذوبان في مذهب آخر داخل الديانة المسيحية ذاتها، فكيف نتصور أن يقبل أتباع أي ديانة سماوية أو أرضية أن يستخدم المقص والمشرط في عقائدها وتعليماتها وشرائعها مجاملة لديانات أخرى؟