د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الاتحاد الأفريقي وفرص حل الأزمة الليبية

ختم قادة الاتحاد الأفريقي مؤخراً قمتهم الدورية في أديس أبابا بدعوة إلى مؤتمر للمصالحة في ليبيا، وتنظيم الانتخابات، بالاشتراك مع الأمم المتحدة، فالأزمة الليبية تشكل حالة قلق على الصعيد الأفريقي خصوصاً، وليبيا محاطة بحدود جغرافية طويلة مع ست دول أفريقية... وذلك في ظل إصرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ الرئيس الدوري للاتحاد، على إيجاد «حلول أفريقية للمشكلات الأفريقية».
الاتحاد الأفريقي اعتزل التدخل في الأزمة الليبية بعد رفض وساطته في فبراير (شباط) 2011؛ فالاتحاد الأفريقي لم يكن جزءاً من الأزمة، ولم يشرْعِن التدخل العسكري في ليبيا، وبالتالي يمكن له أن يكون جزءاً من الحل، وليس مثل بعض الجهات العربية التي طلبت ووافقت على التدخل العسكري في ليبيا.
الوساطة الأفريقية الجديدة ليست الأولى؛ بل إنها بدأت منذ انطلاق «حراك فبراير» 2011، حيث أرسل الاتحاد وفداً عالي المستوى ضم رؤساء جنوب أفريقيا جاكوب زوما، ومالي أمادو توماني توري، وموريتانيا محمد ولد عبد العزيز، والكونغو دنيس ساسو نغيسو، حيث قدم الاتحاد الأفريقي خريطة طريق لحل الأزمة في ليبيا، تضمنت وقف إطلاق النار، وبدء حوار يمهد لفترة انتقالية من دون أي إشارة إلى رحيل للقذافي، ووقفاً فورياً للأعمال العدائية، وتعاون السلطات الليبية المعنية في إيصال المساعدات الإنسانية. وكانت الخطة تتضمن ضرورة قطع وعود بحماية الأجانب المهاجرين والعمال الأفارقة الذين تقطعت بهم السبل، وأن يتولى مراقبون دوليون الإشراف على التزام الأطراف بوقف إطلاق النار، وكان القذافي أعلن موافقته عليها من داخل خيمته بمقره في باب العزيزية في طرابلس، في حين رفضها مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي لـ«حراك فبراير» المدعوم بطائرات حلف الناتو.
الوساطة الأفريقية في زمن القذافي تم النظر إليها والتعاطي معها على أنها كانت تبحث عن مخرج مشرّف للقذافي، الذي كان قد تم حكم الإخوان المسلمون عليه بالإعدام في الدوحة ليتم التنفيذ في سرت، ويمثل بجثته في مبرد للفواكه في مصراتة؛ في أبشع مشاهد التشفي في التاريخ المعاصر.
أفريقيا المثقلة بالهموم والمشكلات والحروب وحتى المجاعة، ها هي تنشغل بليبيا وهمومها، وتخصص وقتاً لها، كيف لا وليبيا بلد مؤسس للاتحاد الأفريقي، الذي ولد في سرت الليبية وفي تاريخ انتقاه القذافي بهوس الأرقام والتواريخ «9.9.99»، ليعلنه من هناك في عام 1999، وما زالت لم تتعافَ من خراب «داعش» وتنظيم الإخوان، بل وداعم له في الماضي، قبل أن تعصف بليبيا فوضى «الربيع» الإخواني، الذي كاد يحولها إلى عصف مأكول؟
الاتحاد الأفريقي بدأ يحبو، والآن يجري ويقفز بخطوات ثابتة؛ ومنها جواز سفر موحد لكل الأفارقة، مما يجعل من الاتحاد واقعاً ملموساً رغم العقبات الكثيرة، وبالتالي فإن التعويل على الحل الأفريقي، في اعتقادي، خطوة صائبة، بعد أن تنازعت الأزمة الليبية أطراف دولية أجنبية بعيدة عن أفريقيا، ونقلت صراعاتها إلى وعلى ليبيا، كالصراع الإيطالي - الفرنسي، ومحاولات العبث القطرية - التركية، لتوطين جماعات الإسلام السياسي في ليبيا؛ الأمر الذي لا تجده في خريطة الاتحاد الأفريقي، الذي لا يتبنى فكرة استمرار الفوضى والدفع بمزيد من الحطب والفحم في النيران الليبية.
القبول بالحل الأفريقي يتمتع بأرضية مشتركة اليوم في ليبيا، على العكس مما حدث في عام 2011 حيث كان زخم «الثورة والثوار» قد طغى على العقل الجمعي، وجعل من أي حل أو خريطة طريق تأتي من داخل الدبلوماسية الأفريقية مرفوضة، لتشبع الشارع الليبي بالربط بين القذافي وهوسه الأفريقي وأي تحرك للقادة الأفارقة حتى ولو كان فيه إنقاذ ليبيا.
اليوم أعتقد أن حالة العزوف عن القبول بأي حل أفريقي، واتهامه بأنه صنيعة القذافي، قد اختفت، وبالتالي؛ فإن فرص النجاح كبيرة لأي تحرك أفريقي جاد، وسيجد له صدى حتى بين من أصبحوا صماً في الأزمة الليبية.