فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

الثوابت السعودية من القضية الفلسطينية

احتلت القضية الفلسطينية موقعاً خاصاً لدى السعوديين منذ تأسيس الدولة، جهد الملك المؤسس عبد العزيز على حفظ الحق بالأرض، وبقيت منذ ذلك الحين تأخذ مساحتها من الاهتمام الرسمي في المباحثات منذ لقاء الملك عبد العزيز بروزفلت وتشرشل وحتى اليوم.
عملت السعودية بواقعية من أجل ضبط الحق المعتبر لدى الفلسطينيين بالأرض، ودرج على ذلك الملوك كلهم من بعد، منذ الملك سعود وحتى الملك سلمان.
أدركت السعودية مبكراً أن الحفاظ على الحق طويلاً يحتاج إلى مثابرة وأناة وطول صبر، لذلك لم تفضل المشروعات الصوتية والكلام الخطابي الرنان، بل عملت على وثيقة تكون محل اتفاق دولي جامع، وكانت المبادرة السعودية التي وافق عليها العالم ومنهم العرب، وبلغت شكلها النهائي حين طرحها الملك عبد الله في قمة بيروت 2002، وعرفت لاحقاً باسم «مبادرة السلام العربية».
وقد درج على هذا الوفاء للقضية الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. وفي زيارة محمود عباس الأخيرة للسعودية جددت الدولة تأكيدها على الثوابت المرعية تجاه القضية الفلسطينية، وهذه المواقف الفصيحة يروق للبعض أن يتعامى عنها، أو أن يهملها قصداً وعن عمد، وأصعب شيء توضيح الواضحات وتبيان البيّنات.
وفي أبريل (نيسان) من العام الماضي عقدت برعاية السعودية قمة القدس بالظهران، وجاء من نتائجها الآتي: «نؤكد مجدداً على مركزية قضية فلسطين بالنسبة للأمة العربية جمعاء، وعلى الهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة، عاصمة دولة فلسطين. ونشدد على أهمية السلام الشامل والدائم في الشرق الأوسط كخيار عربي استراتيجي تجسده مبادرة السلام العربية التي تبنتها جميع الدول العربية في قمة بيروت في العام 2002، ودعمتها منظمة التعاون الإسلامي، والتي ما تزال تشكل الخطة الأكثر شمولية لمعالجة جميع قضايا الوضع النهائي، وفي مقدمتها قضية اللاجئين التي توفر الأمن والقبول والسلام لإسرائيل مع جميع الدول العربية، ونؤكد على التزامنا بالمبادرة وعلى تمسكنا بجميع بنودها».
ونستدل بحوار الأمير بند بن سلطان الذي سرد فيه قصة نوردها بالتفصيل هنا: «كان ريغان - حسب الأمير - ممتناً جداً لوقوف الملك فهد والسعودية معه في موضوع الكونترا، ويريد فعل أي شيء»، مضيفا: «ذهبنا إلى الرئيس وقال: وقف معي الملك فهد حين احتجته، والآن أقف معكم، اكتب يا بندر الخطاب الذي تود مني توقيعه للملك فهد. وكتبت بخط يدي خطاباً من الرئيس إلى الملك فهد فيه اعتراف واشنطن بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً عن الفلسطينيين، وأن تبدأ حواراً مباشراً في تونس - هذا تغير جذري في سياسة واشنطن؛ حيث كانت تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية لا تتحاور معها - وفي الخطاب، تقبل الإدارة الأميركية بجميع مرجعيات الحل ومنها 242 و338، بل وحتى قرار عودة اللاجئين 191، ثالثاً الموافقة على وفد فلسطيني أردني مشترك من المنظمة والحكومة الأردنية لإعادة المباحثات في مؤتمر جنيف لعملية السلام. وأخذ السيد ماكفارلن الخطاب ووقعه من ريغان».
طوال قرن من الزمان بقيت السعودية أكبر داعم للقضية الفلسطينية عبر التاريخ، ولكن البعض من الفلسطينيين والعرب يتنكرون لليد التي تدعمهم، بل ويعضونها وينكرون فضلها، لقد جمعتهم القيادة السعودية عند الكعبة بمكة لحقن دماء الأبرياء بعد مجازر دموية بين الفلسطينيين أنفسهم، حرب أهلية بشعة، حاولت السعودية بكل الوسائل إنقاذ ما تبقى من مقدرات وأنفس، ولكن الكارثة تحدث حين يتردد صاحب القضية في مواقفه، أو أن يدخل في دوامات من الاصطفاف الآيديولوجي الضيق حين يراهن البعض على الإخوان وإيران في نصرة الحق الفلسطيني، بينما هو ارتماء يؤبد الفوضى ويزيد الأمور سوءاً.
هذا جزء صغير من جهد السعودية تجاه فلسطين ولا ينكره إلا معتوه أو حاقد.