حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

شيخوخة المجتمعات

في معظم دول العالم يكون التحدي التنموي الأول هو مواجهة شريحة الشباب في سوق التعليم والعمل، وخصوصاً في دول العالم الثالث، حيث يشكل الشباب في نسبة تركيبة المجتمع ما يصل إلى 30 في المائة وما فوق، وهذا تحد ليس بالسهل يشمل توفير التعليم والتدريب وتوفير مناخ العمل المناسب والمنافس الذي يخلق الوظائف بشكل مستدام.
ولكن هناك دولاً مهمة تواجه تحدياً من نوع آخر تماماً... تحدياً لا يقل أهمية أبدا وهو مواجهة «شيخوخة» المجتمع، وهي ظاهرة متنامية في مجتمعات مختلفة ولا يمكن إغفالها وسيكون لها الأثر على مجتمعات أخرى.
المجتمعات الأوروبية تعاني نسبة نمو سلبية في معدلات المواليد مما يجعلها تستعد لأن تصنف مجتمعات تشيخ. واتفق العالم على اعتماد نسبة نمو بمعدل 2.1 في المائة في تعداد السكان لكي يكون المجتمع في تعداد النمو الإيجابي. وتعاني كل من إيطاليا والنمسا وألمانيا وبلجيكا على سبيل المثال لا الحصر. حتى الولايات المتحدة تعاني من المشكلة نفسها، إذ يبلغ معدل النمو فيها 1.76 في المائة فقط. وكذلك روسيا أيضاً لديها أزمة مهمة، حيث يبلغ معدل النمو الإيجابي فيها 1.75 في المائة، وهي مشكلة عويصة اضطرت إحدى الحكومات الإقليمية فيها أن تخصص يوماً إضافياً إجازة لتشجيع المتزوجين على الإنجاب.
وهناك سنغافورة، تلك الجزيرة الصغيرة، هي الأخرى تعاني من تحديات كبيرة في هذه المسألة، فمعدلات النمو فيها بلغت حدوداً مقلقة جداً وهي 1.16 في المائة، وهي نسبة باتت تهدد طموحات وخططا وتطلعات الجزيرة المستقبلية مما جعل المسؤولين يقومون بإعداد «قواعد رومانسية» للمتزوجين لتحفيزهم على الإنجاب. أما التحدي الأعظم والأخطر فيواجه كلاً من الصين واليابان. فالصين تواجه «كارثة» منتظرة، فمع حلول عام 2029 ستدخل في انحدار غير متوقف مع حالة شيخوخة المجتمع، وهذا بحسب محللين اقتصاديين واجتماعيين في الصين هو أكبر تحد يواجه البلاد.
في عام 2050 يتوقع أن يكون هناك 330 مليون صيني فوق سن الـ65، وهذه أخبار مزعجة ومقلقة لثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي كان يفتخر بمنظومة متماسكة لسياسة تحديد النسل، ولكن تعداد سكان الصين سيبلغ أقصى حد في عام 2029 حينما يصل إلى 1.44 مليار نسمة (وقبل ذلك ستكون الهند قد تخطت الصين بوصفها البلد الأكبر تعداداً في السكان على مستوى العالم).
الصين اليوم تعاني من «انقلاب» اجتماعي، حيث لديها 34 مليون رجل «فائض» عن عدد الإناث نتيجة مفاضلة للذكور في الإنجاب بسبب تقاليد الميراث وتاريخ من الإجهاض الاختياري. وفي عام 2020 سيكون لدى الصين 24 مليون رجل في سن الزواج ولن يكونوا قادرين على إيجاد نساء للزواج منهن. هذه أزمة كبرى تهدد الصين واقتصادها واقتصاد الذين يعتمدون عليها.
وهناك اليابان هي الأخرى تواجه التحدي نفسه بشكل حاد وأسرع. يبلغ تعداد سكان اليابان حالياً 127 مليون نسمة وسينخفض بشكل مذهل إلى 83 مليوناً في عام 2100 ووقتها سيكون أكثر من ثلث سكان اليابان فوق سن الـ65 عاماً. حالياً تبلغ مبيعات حفاضات البالغين كميات تفوق كميات حفاضات الأطفال. إنه التغيير الديموغرافي العنيف. حتى كوريا الجنوبية تعاني هي الأخرى من انخفاض جديد في نسبة نمو السكان، بلغت نسبته 0.95 في المائة، وهي نسبة تبعث على القلق.
هذه التغيرات في تركيبة سكان دول مهمة ومؤثرة حول العالم تنذر بتغيير جذري قادم في قدرات هذه الدول المستقبلية لا بد من الاستعداد له جيداً وانتهاز الفرص القادمة نتاج ذلك التغيير.