مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

سكتم بكتم

ما أكثر «الهلس» في كتب التراث ولا أقول «الكذب» تأدباً.
في هذه الأيام أقرأ كتاب «تحفة الألباب» نوعاً من التسلية العبثية، وإليكم ما ذكره شيخ اسمه عبد الله، ويقول:
«شاهدت رجلاً من نسل عاد طوله أكثر من سبعة وعشرين ذراعاً، واسمه (دنقي أو ديقي)، وكان يأخذ الفرس تحت إبطه كما يأخذ الطفل الرضيع، وقد لاقيته وهو رجل متواضع فسلّم ورحب بي وأكرمني، وكان رأسي لا يصل إلى ركبته، وكانت له أخت على طوله، وقد أعجبني جمالها الفائق، ويقال إنها في إحدى الليالي من شدة شوقها إلى زوجها ضمته فكسرت أضلاعه فمات من ساعته» – انتهى.
وأنا أقول: يا ليتها تزوجت الشيخ عبد الله بعد أن مات زوجها، ليحكي لنا كيف يستطيع أن يتعامل معها طالما أنه لا يبلغ ركبتها، إلا إذا رفعته وحملته على صدرها، وأخذت «تهشّكه وتبشّكه» وتلاعبه وتمرجحه وتدغدغه، بل وتقبّله وتضمه ضماً خفيفاً حفاظاً على أضلعه من التكسير، ثم تسمّي عليه وتغطّيه.
وإليكم المزيد من «الهلس» المضحك:
«أُهدي إلى أبي منصور الساماتي فرس له قرنان، وثعلب له جناحان إذا قرب منه إنسان نشرهما، وإذا بعد ألصقهما، وذكر القاضي عياض أنه: ولد له مولود على أحد جنبيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله».
وبالمناسبة فالداعية الشيخ المغامسي، حفظه الله، أكنّ له الاحترام والإعجاب، خصوصاً في بعض طروحاته المنفتحة، غير أنه مثلما يقولون: «الحلو ما يكمل»...
وقد شاهدته على قناة mbc، يتحدث عن سيدنا آدم، ويؤكد أن طوله - عليه السلام - عندما هبط على الأرض كان قرابة 30 متراً.
ولا أدري إلى أي أساس أو مرجع هو استند؟! – أي أن طوله إذا صح ذلك يكون بارتفاع عمارة مكونة من عشرة طوابق، وهل يا ترى أن ولديه هابيل وقابيل كانا عملاقين على شاكلته، أم أنهما ولدا على شاكلتنا نحن الأقزام؟!
وإذا كان الهدف هو الدلالة على قدرة الله، فقدرته - عز وجل - تفوق الخيال والمستحيل، وأنه لو أراد لجعل آدم بطول برج خليفة المكون من 163 طابقاً، وبارتفاع 828 متراً، وليس بطول عمارة مكوّنة من عشرة طوابق وبارتفاع 30 متراً فقط.
لكنني أخمّن - والله أعلم - أن الشيخ المغامسي، من المحتمل أنه تأثر بما جاء بكتاب «البداية والنهاية» لابن كثير، وهو كتاب ممتلئ بالخرافات والإسرائيليات، مثل كتاب الطبري كذلك. غير أن ما يميز الطبري، أنه كان يشير إلى بعض المرويات على أنها من الإسرائيليات، بعكس عمنا ابن كثير الذي كان يكتب «سكتم بكتم».