سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

كوبا أخرى أم سوريا ثانية؟

هل العالم أمام كوبا أخرى أم سوريا ثانية؟ الشطر الأول من السؤال تطرحه الصحيفة الإسبانية «لا فانغارفيا»، الثاني تطرحه الصحيفة الروسية «بروفيل». لكن يبدو أن صحف الصين هي الأكثر اهتماماً وقلقاً على ما يحدث في فنزويلا. تقول صحيفة «ساوث تشاينا مورننغ بوست» إن بكين قد راهنت على الحصان الخاسر نيكولاس مادورو، الذي تصف حكومته بأنها «الأكثر فساداً والأكثر فَشَلاً على هذا الكوكب».
صرفت الصين حتى الآن أكثر من ستين مليار دولار في محاولة دعم النظام اليساري. ولم يكن الدافع حزبياً فقط، وإنما بالدرجة الأولى، اهتمام الصين بدولة بترولية في حجم فنزويلا. فالأخيرة في حاجة ماسة إلى استثمارات، والصين في حاجة ماسة إلى مزيد من الحقول المالية تُؤمّن لها ما يكفي من الطاقة في تقدمها الصناعي الهائل. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن احتياط فنزويلا لا ينحصر في النفط والطاقة، بل يتعداه إلى ثروات معدنية كثيرة.
هناك أيضاً البعد السياسي أو الاستراتيجي في سياسات الصين العالمية. فقد كانت فنزويلا في العام 2001 أول دولة لاتينية تعقد «اتفاق شراكة تنموية واستراتيجية مع بكين». وفي ذلك وجدت الصين حليفاً شديد الأهمية في منافساتها مع الولايات المتحدة. غير أن نظام مادورو كان مخيباً للآمال كما تقول صحيفة «ساوث تشاينا». فقد أصيبت معظم المشروعات الصينية بالإفلاس. وعجزت كراكاس عن تسديد الديون والالتزامات. وفي الوقت نفسه انهار الاقتصاد تماماً، وبلغت نسبة التضخم أرقاماً أبعد من الخيال، أي نحو 1698488 في المائة وفق مجلة «الإيكونوميست».
أما بالنسبة للنموذج السوري وصحيفة «بروفيل»، فإنها تعرض المشابهات بين البلدين. وتقول إن العالم انقسم حول النظام في البداية، واعتقد الكثيرون أنه لن يصمد في وجه الحرب الدائرة، لكن بعد ثماني سنوات، تبيّن أنه قد انتصر على خصومه، وأعادت عواصم العالم النظر في موقفها منه. إضافة إلى أن مادورو يتلقى الآن، مثل النظام السوري، دعماً روسياً وصينياً في وقت واحد. ويبدو وفقاً لصحيفة «ساوث تشاينا» أن الصين تشعر بشيء من الندم بعدما وقفت دول كثيرة ضد مادورو، بينها، خصوصاً، 14 دولة من أميركا اللاتينية. لكن هذا لا يعني أنها تفكر في خفض العلاقة مع حليفها وشريكها. والذي لا يعرفه المحللون ولا يشير إليه أحد حتى الآن، هو المدة التي قد يستغرقها الصراع، أو ما إذا كان سوف يتحول إلى حروب كما حدث في سوريا. وصحيفة «نيويورك تايمز» ترى أن الحل السريع هو في شراء جنرالات مادورو. إلا أن عدداً قليلاً جداً من هؤلاء قد أعلن، حتى الآن، ولاءه للمعارضة.
في النموذج الكوبي، لا تزال القضية عالقة منذ 50 عاماً. وفي السوري منذ ثماني سنوات. وفي غضون ذلك هاجر من البلاد نحو ثلاثة ملايين مواطن. الفقراء دائماً يدفعون الثمن فيما يصرّ القادة والزعماء على أنهم يعملون من أجلهم.