إميل أمين
كاتب مصري
TT

ريما بنت بندر... حداثة تليق بالسعودية 2030

بقراره الملكي الخاص بتعيين الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود سفيرة للمملكة العربية السعودية في الولايات المتحدة، أثبت خادم الحرمين أنه قائد يتمتع بقدرة استشرافية عالية على اتخاذ ما يعرف بالـSolomonic Decision، أي القرارات ذات الصبغة السليمانية الحكمية، تلك القادرة على قراءة الأحداث والأزمنة، ومواكبة الخطوب والأحداث، ووضع أهل الكفاءة في الموقع والموضع الملائم، الأمر الذي ينعكس ولا شك بمردودات إيجابية عالية وغالية القيمة على شعب المملكة.
تبقى العلاقات الأميركية - السعودية حجر زاوية في استقرار منطقة الخليج العربي بداية، والشرق الأوسط تالياً. ومن الرياض إلى واشنطن، تاريخ قديم ومجيد من العلاقات الثنائية، وتعاون استراتيجي وثيق، أثبتت التجارب قوته ومنعته، لا سيما في أوقات العواصف والأنواء، وما أكثرها في حاضرات أيامنا، حيث عالم قديم يموت، وعالم جديد لم يتمكن أن يولد، وبينهما يحاول البعض من الحاقدين والكارهين وضع العصا في دواليب الكبار.
تحتاج الدبلوماسية السعودية الآن وهنا، أي في الداخل الأميركي عقلية حداثية تدرك أبعاد المجتمع الأميركي وتركيبته الذهنية، عطفاً على طبقاته الحضارية، وتوجهاته السياسية، إضافة إلى بنائه التكتوني والمتغير يوماً تلو الآخر، وليس أفضل من الأميرة ريما التي خبرت هذا المجتمع عبر دراستها في جامعة جورج واشنطن.
ريما بنت بندر، عنوان للأصالة والعراقة والجذور السعودية الكريمة. إنها الحفيدة للجد الأكبر، عبد العزيز آل سعود، صاحب مدرسة الدبلوماسية السعودية الأمهر في تاريخ الجزيرة العربية، الرجل الذي وحد قبائل متصارعة ومتصادمة، ليجعل منها دولة مركزية تحدث بها الركبان، وهي حفيدة مباشرة للفيصل الكبير، الرجل العروبي باقتدار، صاحب المواقف الحازمة والحاسمة، الساكن قلوب العرب والمسلمين عبر الزمان والمكان، ومواقفه من القضايا العربية والإسلامية وبخاصة القدس لا تغيب عن الأذهان. وبالقدر نفسه هي الابنة للدبلوماسي الأنفع والأرفع طوال عقدين أو أزيد للدبلوماسية السعودية في واشنطن، السفير بندر بن سلطان. ولا يوفر المرء الإشارة إلى أخوالها الكبار، الراحل الأمير سعود الفيصل عنوان الدبلوماسية السعودية الجديرة بالاحترام والتقدير في جميع المنتديات والمحافل الدولية من جهة، وأطال الله عمر الأمير تركي الفيصل الحكيم العقلاني الراقي في حله وترحاله.
أي عقلية نخبة سياسية وثقافية يمكن أن تضحى عليها ريما بنت بندر وهي التي نشأت في هذه الأجواء الوطنية بامتياز؟
لم يكن مثيراً أن تصنفها مجلة «فوربس الشرق الأوسط» ضمن أقوى «200 امرأة عربية» عام 2014، وربما الأكثر تميزاً تضمينها في قائمة «أكثر الأشخاص إبداعاً» من قبل مجلة «فاست كومباني» الأميركية.
تفيد المناصب التي شغلتها ريما بنت بندر، عطفاً على المسؤوليات التي أنيطت بها، بأننا أمام شخصية تعرف طريقها إلى أفكار الابتكار والإبداع، والتجديد ومناهضة الأنماط المقولبة، والنماذج المعولبة، الأمر الذي فتح الطريق لها للتلاقي مع كبار العقليات السياسية والإنسانية حول العالم، وجعل منها رمزاً محبوباً ومرغوباً في الداخل والخارج.
إلقاء الضوء على امرأة سعودية شابة على هذا القدر من الوعي والنضج الإنسانيين إلى جانب الملكات العقلية المتميزة، يدعو المجتمع الدولي لأن يعدل ويبدل من نظرته للمرأة العربية بشكل عام، والسعودية بنوع خاص، بل يفتح الطريق واسعاً أمام الباحثين والدارسين، والإعلاميين والنخبة المثقفة العادلة من الانتلجنسيا الغربية لإعادة النظر في ما كانوا يتناولونه عن المرأة العربية عبر العقود الأخيرة، من جراء أزمنة التكلس والتحجر، وعقول التعصب والتزمت، تلك التي لا وجود لها في رؤية 2030 التي يقودها بامتياز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويمهد لها الأرض والعقول والقلوب من أجل واقع حال مغاير، ومستقبل مستنير لأجيال كونية تعرف معنى فرح اللقاء بالآخر، وتضيف للعالم أبعاداً حضارية من معينها التراثي التليد، مستذكرة بأن لها أيادي بيضاء على العالم الأوروبي والغربي، من خلال حضارة أنارت وستنير من جديد.
الذين قدر لهم الاستماع إلى مداخلات ريما بنت بندر في مؤتمر دافوس الأخير، يدركون بالفعل حكمة خادم الحرمين الملك سلمان وراء هذا الاختيار، فقد كانت الصوت الإنساني والعقلاني، الذي خاطب الحضور، واضعة الجميع أمام إشكالية الـMoral Paradox، أي الازدواج الأخلاقي الغربي التقليدي، ذلك العازم على قطع الطريق على المملكة وشعبها من أجل خلق قصتهم الجديدة والتعبير للأميرة السفيرة.
وضعت ريما بنت بندر الجميع هناك أمام السؤال الخلافي الحقيقي: «لماذا كنتم تطالبوننا بالتغيير، وعندما بدأت بوادره بالظهور، قابلتمونا بالنقد والسخرية وعلامة... (لكن)؟».
في ذلك السجال أبدت ريما بنت بندر قراءة تقدمية حقيقية للعقلية الغربية، تلك المصابة بفوقية إمبريالية كبرى، لا تزال ترى الرجل الأبيض سيد التحضر، وتنسى أو تتناسى فعاله، وساعتها أبدت شرحاً وافياً فلسفياً لمسألة اختلاف منظومات القيم، ومصفوفات الأخلاق، فلا صواب بالمطلق عندها ولا خطأ بالكامل، إنها اختلافات حضارية وإنسانية يجب أن تحترم.
حوار ريما بنت بندر في دافوس يبين لنا أننا أمام عقلية تجيد فن وعلم الديالكتيك بأدواته العلمية، فلا تنكر على الآخر حقه في التصويب إن كان في الأمر خطأ، لكنها تطالب بالاعتراف بالفضائل وبردها لأهلها، وفي كل الأحوال تجمل أهدافها بأنها لا تعمل من أجل أي شخص خارج بلادها، بل تعمل من أجل هذا الوطن ورفعته وسموه في الحال والاستقبال.
ريما بنت بندر عنوان حداثي يليق بالمملكة في هذا التوقيت، وجسر حقيقي قوي ومتين مع الشعب الأميركي، والذي يختلف كثيراً جداً في معظمه عن طبيعة وتوجهات الإدارات السياسية المتعاقبة، ولهذا فإن مهمتها الأولى هي قطعاً كسب الشعب الأميركي إلى صالح الشعوب العربية ومصالحها أولاً، وشعب وحكومة المملكة العربية السعودية بلا شك، وتخليق جماعات مصالح إيجابية من حول السفيرة السعودية الأولى في واشنطن...
ريما بنت بندر موفقة في الحال والاستقبال.