سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

التحدي الأكبر للسفيرة السعودية

ماكينة تطوير مفاصل الدولة السعودية لا تتوقف، والدولة تواصل تحديث سلطتها التنفيذية كلما استدعى الأمر ذلك. ونائب الملك الأمير محمد بن سلمان، الذي أصدر القرارات الأخيرة، باسم الملك، بتعيين الأمير خالد بن سلمان نائباً لوزير الدفاع، والأميرة ريما بنت بندر سفيرة في واشنطن، يشرف مباشرة على عمل الوزراء والمسؤولين في الدولة. والمعيار الأول في الاختيار هو الكفاءة وتحقيق مؤشرات الأداء المطلوبة. ولذلك نجد أن عجلة التطوير المستمرة هي سمة المرحلة، وبالتأكيد لا أحد يتوقع أن هذه العجلة ستتوقف عن الدوران قريباً، فمشوار التحديث والتطوير طريقه طويلة، وتحتاج إلى استمرارية في تنفيذ برامجه، ولا يمكن تنفيذه في خطوة واحدة.
وإذا كان تعيين الأمير خالد بن سلمان نائباً لوزير الدفاع لم يفاجئ كثيرين، ليس فقط لأنه كسفير لبلاده في واشنطن كان الأكثر قرباً ودراية بكثير من الملفات السياسية والاستخباراتية والعسكرية، وإنما أيضاً لأنه أحد أبناء وزارة الدفاع، عمل طياراً في القوات الجوية الملكية السعودية، كما عمل كذلك مستشاراً في مكتب وزير الدفاع، وهو ما ساعده على الاطلاع عن قرب على استراتيجية تطوير الوزارة؛ فإن تعيين أول سفيرة سعودية، في عاصمة أكبر دولة في العالم، هو ما اعتبر أكبر مفاجأة سارة للسعوديين قبل غيرهم، فريما بنت بندر بن سلطان تحط رحالها في واشنطن، بعد أن سجلت اسمها كرقم صعب في العمل الحكومي منافسةً شرسةً لأقرانها من الرجال، وتمكنت في فترة وجيزة من إثبات قدرة المرأة السعودية على النجاح ومواجهة أقسى الصعاب. تدلف المكتب السابق لوالدها السفير الأشهر في العاصمة الأميركية، كامرأة سعودية أثبتت وجودها، عبر مسيرة حافلة، قبل أن تكون أميرة أو سفيرة. لا جدال في أن تعيينها في هذا المنصب المهم هو دعم كبير للمرأة في السعودية، إلا أن ما يغفل عنه كثيرون هو أن مسيرة تمكين المرأة في المملكة، تتم وفق معايير صارمة ولمن تستحق ذلك، كما هو في بقية المناصب الحكومية، ولا يجري التعيين فقط لأنها امرأة، ومن عمل مستشاراً في مكتب ولي العهد، كما الأميرة ريما، يعي جيداً أن المناصب ليست للتشريف، وإنما خلفها كثير من العمل الجاد المبني على مؤشرات أداء، تقيم عمل المسؤولين، ولا تترك مجالاً للترقية إلا لمن يستحق ذلك فعلاً.
تصل الأميرة ريما لواشنطن بينما تعاني العلاقة بين بلادها والولايات المتحدة حالة غريبة من سوء الفهم، فالعلاقة الرسمية لا يشوبها شائب بقدر ما المشكلة مع بعض المؤسسات الأميركية الرسمية، كما الكونغرس مثلاً، إلا أن ما يساعد السفيرة الجديدة على تحقيق تطلعات حكومتها في إزالة شوائب أزمة مقتل خاشقجي مع تلك المؤسسات، أن هناك أساساً متيناً وقوياً للتحالف الاستراتيجي السعودي الأميركي، ومصالح يعلم الجميع أنها لا يمكن التضحية بها من أجل أزمة عابرة. فمن ارتكبوا الجريمة تلك تتم محاكمتهم وسينالون العقاب العادل، صحيح أن هناك في واشنطن من يسد أذنيه، ولا يريد أن يستمع لحقيقة ما يجري، ويستند في تكوين مواقفه إلى انطباعات خاطئة وروايات لا أدلة أو براهين تثبتها، إلا أن المطلعين على بواطن الأمور يعون جيداً أن ذلك كله ورغم عدم عقلانيته، لن يكون سوى غيمة سوداء مؤقتة، ستمضي في طريقها كما مضت أزمات أشد سوءاً من هذه، ولا بد للعلاقات من أن تعود لسابق عهدها، وهي المهمة الصعبة التي تقع على عاتق السفيرة السعودية في واشنطن؛ لكن الثقة كبيرة في قدرتها على اجتياز هذا التحدي، وإنجاز أهم مهمة تكلف بها في مسيرتها.