جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

ما جمعه الحب فرّقته الوجهات الرومانسية

رمال بيضاء، مياه لازوردية، شجر نخيل، هدوء لا يتخلله إلا صوت العصافير التي تزقزق وتوقظك في الصباح الباكر وتعلمك بموعد غروب الشمس في المساء، جزر ومنتجعات تعتني بأدق التفاصيل وتفوح من كل زاوية فيها رائحة الرومانسية، مطاعم تسهر على ضوء الشموع في الليل وتنيرها أشعة الشمس في النهار.. هذه هي باختصار وجهة الرومانسية والباحثين عن اختبار الحب الذي يعتبر أكثر شعور تعقيدا في الكون، لأن ما سيأتي في السطور التالية ما هو إلا محاولة لفك طلاسم هذا الشعور المعقد الذي يتعلق بالأماكن والجغرافيا ويفشل في الحالات التي لا يمكن أن نتخيل بأنها ستكون سبب انهياره وتبدده تماما مثل تبدد غيمة عابرة ليصبح شيئاً من الماضي.
التقيت على مر السنين بالكثير من مديري الفنادق واختصاصيي العلاقات العامة، وأكثر ما كان يشدني في الحديث معهم هو التعرف على خبايا المهنة بعيدا عن بهرجة النجوم الخمس التي تكلل المنتجع أو الفندق، منهم تعلمت واستمعت إلى أغرب القصص التي تزداد غرابتها مع ازدياد حجم الرصيد المصرفي، فالمقتدر مادياً طلباته كثيرة وغريبة، والسبب هو أن كل شيء متوفر بالنسبة إليه، ولذا يبحث دائما عن الأكثر والأفضل، لدرجة أن طلباته تصبح غير منطقية.
من أغرب ما سمعت أن أحد الزبائن الأثرياء المواظبين على الإقامة في أحد فنادق لندن الفاخرة يرفض أن يتم تنظيف جناحه بنفس المكنسة الكهربائية التي تستخدم في تنظيف الغرف الأخرى، فخصصوا له مكنسته الخاصة، وحالة أخرى هي عبارة عن هوس بالنظافة الزائدة دفع بأحدهم إلى شراء فراشه والشراشف والأرائك الخاصة به وطلب من إدارة الفندق حفظها في مكان آمن ليستعملها في كل مرة ينزل بها في الفندق، حالة أخرى تعكس مدى تطلب الزبائن الأغنياء تطبق في فندق مشهور جدا، حيث تطلب الزبونة الدائمة في كل مرة تنزل في جناحها العملاق أن يتم طلي الجدران بلون الدهان الذي تفضله وتقوم الإدارة بتغيير الأثاث بشكل يتوافق مع حاجتها النفسية، ومن القصص المضحكة، طلب إحدى زبائن المنتجعات الفاخرة في جزر المالديف من الإدارة تأمين قناني مياه معدنية من جبال الألب الفرنسية للاغتسال بها طيلة أيام إقامتها، لأنها ترفض استخدام مياه الخزانات العادية، وإلى جانب الطلبات الغريبة والعجيبة تبقى هناك الحكايات التي يصعب تصديقها، فقد تبين لي وبعد تجميع المعلومات أن أكثر حالات الانفصال فترة شهر العسل أو خلال عطلات الأزواج تحصل في المنتجعات الرومانسية أي في وجهات ينصح بها للاحتفال بالحب، وبحسب ما سمعته من أناس لهم تجارب في العمل في منتجعات سياحية فاخرة مثل جزر الموريشوس والمالديف وسيشيل وموستيك وغيرها من الوجهات الساحرة فإن الخلافات تنشب بين الأزواج بعد وصولهم، والسبب هو أن تلك الوجهات ليست مثل المدن الكبرى التي يمكن أن يتنفس فيها المرء الصعداء، ففي حال شعر بالملل مع الشريك يمكنه القيام بنشاط ما ولو المشي في الشوارع لمراجعة النفس والتقاط الأنفاس، ولكن وللأسف فإن حال الجزر الرومانسية تجعل الأزواج يكتشفون جوانب كانوا يجهلونها عن بعضهم البعض، فتتحول الرحلات المنسوجة بالخيال إلى خناقات خيالية تؤدي في بعض الأحيان إلى أبغض الحلال والانفصال.
المحزن هنا هو أن الأزواج في أيامنا هذه أصبح من الصعب عليهم الانسجام، ولا حتى في جنة على الأرض. ومن المؤسف أن نرى أن مفهوم الحب هو أيضا تبدل وأصبح ما جمعه الحب تفرقه الوجهات الرومانسية.