خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

هجرة الأدمغة

يواجه معظم بلدان الشرق الأوسط معضلة هجرة الأدمغة والمواهب. لقد دأبت حكوماتها على اختيار ذوي الذكاء والمواهب والمتفوقين في الامتحانات لإرسالهم في بعثات دراسية إلى الخارج. يكلفون هذه الدول ألوف الدولارات حتى يحصلوا على شهاداتهم ثم لا يعودوا. نفقد بذلك لا مؤهلاتهم فقط بل ذكاءهم ومواهبهم وذكاء ومواهب أولادهم الذين يرثون جيناتهم.
إذا استمرت هذه الظاهرة فلن يبقى في البلاد غير الأغبياء والغبيات الذين يتزاوجون فيما بينهم ويعطوننا على مر السنين أجيالاً متعاقبة من الأغبياء والمتخلفين ذهنياً، في حين يقشط الغرب هذه القشطة الغنية من ذكاء أمتنا.
يرى البعض في ذلك مؤامرة حبكتها الدول الإمبريالية لضمان بقائنا على تأخرنا. المفروض أنه كان علينا أن ننتبه إلى هذه المشكلة فلا نختار لبعثاتنا الدراسية غير الأغبياء والفاشلين في الامتحانات. فمَن مِن الأذكياء يترك الحياة الغربية المترفة وكل حرياتها وديمقراطيتها ويعود ليعيش في بؤس الدول الشقية؟ وإذا عاد فعلى أكثر احتمال مع زوجته الأجنبية التي لا تنسجم مع طقسنا الحارق وأزقتنا الغارقة في القمامة والأزبال. لا تمضي غير سنتين أو ثلاثاً ثم تفرض على زوجها العودة بها من حيث جاءت. وإذا بقي وصمد وفرض عليها هذا العيش فسرعان ما تتفتق المشكلات ويعاني الاثنان من عكننات الحياة.
فلنعكس الآية ونبعث الأغبياء للدراسة في الخارج. وسنرى كيف نتفادى هذه المشكلات. إذا فشلوا في الغرب وقرروا البقاء هناك، فخير على خير! نكون قد تخلصنا منهم بكلفة زهيدة. وفي هذا خير انتقام من الغرب الذي سيقتضي عليه تحمل أعبائهم ومشكلاتهم ونسلهم. فلا بد أن يحدث أن يتزوج بعض هؤلاء بغربيات وينقلوا إليهن مناقصهم وتخلفهم وغباءهم. وبالفعل كثيراً ما أصبحنا نسمع عن مصائب هذا النشء الخليط الذي راح يخوض في دهاليز الجرائم والإرهاب والمخدرات. نشء أصبح كالمخلوقات الشاذة التي لا تعرف فصلها أو أصلها.
وأمام هذه الموازنة العقلانية لا بد أن يتساءل المرء عن هذا الارتباك ويقول مَن أوقعنا في هذه المحنة التي أصبح حتى الغربيون يشاركوننا بها؟ إنهم الغربيون أنفسهم. لقد حثوا المسؤولين منا على إرسال الموهوبين من أبنائنا للدراسة في الخارج. وخلقوا بذلك المشكلات في ديارنا، ودعوني أقل في ديارهم أيضاً. لم يعد هؤلاء قادرين على العيش بين أبناء وطنهم ولا ينسجمون مع أبناء مغتربهم.
هذا ما أوغل في كتابته أحدهم ممن تلقوا دراستهم في الخارج وخاضوا في هذه المشكلة. لم يعد بإمكانه العيش في وطنه الأصلي أو الزواج بفتياته والانسجام مع أهله وذويه ولا هو معتز ومرتاح من معيشته في ديار الغربة، حيث تلقى دراسته وامتصّ ثروة بلاده وانتهى به المطاف في ضياع مرير صبّه في هذه البوتقة من الهم والغم التي أرجعها إلى التآمر الغربي على ديارنا.