مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

صفحتي في الحب «بيضا»

من يذهب إلى بعض الدول الأوروبية المتقدمة، يلاحظ تنظيم الشوارع وتخطيطها ولوحاتها وإشاراتها، وأهم من ذلك كله التزام الغالبية العظمى من السائقين بالنظام والقوانين والتعليمات.
وإذا قارنّا هذه الدول ببلادنا العربية نجد البون شاسعاً، أعرف أن هذه المقارنة غير عادلة، فشتان ما بين دول هي التي اخترعت وصنعت السيارات وإشارات المرور وخلافها، وبين دول استوردتها وسارت على منوالها، غير أن ذلك لا يمنع من الاعتراف أن الشوارع في بعض البلاد العربية تتحول (شوربة) بمعنى الكلمة، من كثرة الفوضى المقترنة بالإزعاج والحوادث التي لا تتقيد بنظام المرور، وللأمانة فليست البلاد العربية وحدها مبتلاة بذلك، فهناك الكثير من دول العالم الثالث، وخذوا على سبيل المثال دولة بتسوانا الأفريقية، فمن قوانين المرور عندهم فقرة نجيبة جاء فيها:
يمنع حمل الحمير (الحيوانية) في السيارات - لاحظوا كلمة الحيوانية لا البشرية - ومن يفعل ذلك يتعرض لعقوبة تصل إلى السجن لمدة عامين، وفي أدنى مستوياتها إذا كان جحشاً لمدة ستة أشهر.
أعود إلى عدم التقيد بالنظام والمخالفات المرورية، ففي السعودية مثلاً استحدث ما يسمى بـ(ساهر)، وهو عبارة عن كاميرات تصوير لرصد مخالفات السائقين كربط الحزام مثلاً، أو الوقوف في مكان ممنوع، أو التجاوز من اليمين، أو استخدام التليفون أثناء القيادة، أو قطع الإشارة الحمراء، أو التفحيط وغيرها.
والواقع أنه بعد الغرامات المادية، والصرامة في تطبيقها، هبط معدل الحوادث بشكل كبير.
وهناك اقتراح يقول: لا شك أن نظام (ساهر) أحدث نقلة نوعية، غير أن هناك آثاراً سلبية لهذا النظام، منها تراكم المخالفات من غير سدادها نتيجة لضائقة مادية، ثم تتضاعف القيمة وتزداد الفجوة.
ولا بد من إيجاد وسيلة ما تحل هذه المعضلة، ومنها التقسيط مثلاً، رغم أنني أجد أنها لا تفي كذلك بالغرض المنشود إلا وقتياً.
وأعجبتني طريقة اتبعتها حكومة دبي مع كل مخالف، فهي تغرّمه مبلغاً معيناً ولا تأخذه منه حالاً، ولكنها تعطيه فرصة، فإذا مرت عليه ثلاثة أشهر دون مخالفة انخفض المبلغ 25 في المائة، وإذا مرت ستة أشهر دون مخالفة انخفض إلى 50 في المائة، وإذا التزم السائق ولم يخالف لمدة سنة سقط عنه المبلغ 100 في المائة نهائياً.
هذه الطريقة من وجهة نظري تحفز السائق على الالتزام بالنظام أكثر، والمثل الصادق يقول: عض قلبي ولا تعض رغيفي - أي دراهمي أو ريالاتي أو ليراتي أو جنيهاتي.
ولكي أبعد الشبهة عني أقول: الحمد لله صفحتي في المرور بيضا، مثلما هي صفحتي في الحب بيضا.