فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

تأملات حول مستقبل الثقافة بالسعودية

ظلّت السعودية فترة غير قصيرة ضمن أنشطة ثقافية تقليدية، بمؤسساتٍ غير مدعومة، ليست لها القدرة على مواكبة العصر، ولا القدرة على تقديم شيء لافت للناس، إذ كانت هناك خطوط متشعبة ومتداخلة متغالبة، ضمن جولاتٍ من السجال والصراع بين التيارات.
الآن ومع رؤية الأمير محمد بن سلمان أصبحت الثقافة ركناً من أركان التنمية لا يمكن إهماله، وحدث أن تمَّ الفصل الضروري بين الثقافة والإعلام بوزارتين مستقلتين، وهذا يمكن الحكومة من خصخصة المنتج الإعلامي التي يعاني من إرث بيروقراطي شرس، وبالفصل يتم إنقاذ وزارة الثقافة الحديثة التي لا يمكن أن يتم ظلمها بوضعها مع الإعلام ضمن عملٍ واحد.
حقق الوزير الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان في فترةٍ وجيزة نقلةً يمكن البناء والتعويل عليها، بل والانطلاق معها قدماً نحو مستقبل قوي للثقافة السعودية، ومن حق المثقف أن يسأل كما فعل طه حسين عن مستقبل الثقافة في بلاده.
أعلن الأمير بدر أنه يتطلع لمشاركة رؤية وزارة الثقافة وتوجهاتها في السابع والعشرين من الشهر الحالي، يمكن لجميع المثقفين المتأففين واليائسين أن يبادروا بمقترحاتهم التي يتمنونها، ولمرئياتهم التي يقترحونها، ومن الممكن الإسهام ببعض المقترحات السريعة لتكون منطلقاً للنقاش أو الحوار بين المثقفين:
- طوال الفترة الماضية كان العمل الثقافي يتم بشكلٍ ارتجالي، لدى كل مؤسسة ثقافية نشاطها الخاص، من المعروف اهتمام نادي جدة الأدبي المستغرق بقضايا التناص والبنيوية، بينما اتخذت أندية أخرى على عاتقها مواجهة الحداثة، وأخرى اهتمت باللغة العربية الفصحى ضد المحكية، لكل نادٍ أدبي سياسة خاصة وتوجه خاص، مثلاً نادي الرياض الأدبي مرَّ عليه أكثر من توجه، بين إدارات كلاسيكية مستنيرة، وأخرى تراثية، وبعضها براغماتية سياسية ليس لها سياسة واضحة، ولكن كل تلك الاتجاهات ضيعت الحالة الثقافية وشتتها، إذ من الضروري اشتراك المثقفين مع الوزارة بوضع ما يمكن تسميته «مسار الثقافة السعودية»، لتكون محققةً لهدفين اثنين: أولاً: عدم الرجوع إلى الوراء بخطاباتٍ وأطروحاتٍ انقرضت وباتت غير صالحة للتداول المعرفي والعلمي. وثانياً: أن تنسجم الخطة مع رؤية المملكة التنموية، فمن غير المعقول طرح موضوعاتٍ رجعية في زمنٍ تقدمي، وهكذا.
- تجديد القيادات الثقافية، جميعنا تأثرنا بأساتذتنا الكبار، والأدباء والمثقفين والمفكرين، ولكن يعلم الوزير أن ثمة مفكرين وكتاباً من الجيل الصاعد من الأكاديميين والشعراء والمثقفين يمكنهم الإسهام بالسياسة الثقافية المزمع رسمها، وهذا نجده في كفاءات ضمن الأنشطة الفلسفية في الأندية الأدبية بالسعودية، وفي السجال الأكاديمي، والمؤتمرات الثقافية، وقد التقى الوزير بعددٍ منهم ضمن مناسباتٍ عديدة، واستمع إليهم ويمكنه الإفادة بشكلٍ أكبر من توجهاتهم الفكرية الحداثية الصاعدة.
- موجة الحداثة الفكرية وصراع الصحوة عليها أثرت بشكلٍ كبير على الأنظمة المعمول بها في الأندية الأدبية والمؤسسات الثقافية، لا يوجد قوانين فاعلة يمكن البناء عليها للترخيص لهذه الندوة أو تلك، أتذكر شخصياً عشرات الندوات والمحاضرات والأمسيات وحفلات التكريم تم إلغاؤها بعد تدخل التنظيمات الراديكالية، إما بالصوت أو بالقوة، كذلك غياب الأنظمة الواضحة جعل الكثير من الكتاب والمثقفين يعزفون عن الأنشطة الثقافية ويتركونها مختارين الندوات الخاصة، أو الصالونات المغلقة لإغناء رغبة الحوار والنقاش، واختبار الأفكار الجديدة، أو استمزاج قصيدة أو قصة أو رواية، فلا بد من وضع أنظمة صارمة تلتزم بها كل الممؤسسات الثقافية من دون هيمنة تيارٍ على آخر.
- أعلم أن من ضمن مهام الأندية الأدبية تشجيع الناشئين على الشعر والكتابة وفنون الأدب، وذلك ضمن مجالين: معنوي، بحيث تفتح لهم مكتبات الأندية الأدبية، وتتاح لهم فرص استعارة الكتب مجاناً، وعدم التدخل في توجهاتهم الأدبية، وثانياً: أعرف أن الأنظمة تنص على التشجيع المادي عبر طبع كتاب للناشئين البارزين من الشباب والفتيات على حساب النادي الأدبي، المثير للغرابة أن الكثير من مطبوعات الأندية الأدبية لم تلتزم ببند التشجيع، تتدخل المحسوبيات والوجاهات على الأنظمة والتعليمات، وهذا لا يمنع من إنصاف أنديةٍ شجعت والتزمت.
الخلاصة، أن مستقبل الثقافة بالسعودية يلزمه رسم سياسة وخطة ومسار، مثل حقل يعرف بذره ومعلوم وقت حصاده، وذلك بغية الخروج من الفوضى العارمة، والأمير، قادر على ذلك بإذن الله.