خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الغزل في المأكولات

يظهر أن أيام الغزل بالحسان قد ذهبت ورحلت من العراق. حل محلها الغزل بالأكل، كما أستشف من هذه المقطوعة الشعرية التي بعث بها إلي أحد القراء الأفاضل من بغداد. إنها غزل بالباذنجان، وهي الخضرة المفضلة عندي. فالجمهور العراقي منقسم إلى جمهورين؛ جمهور محبي الباميا وجمهور محبي الباذنجان. وبينهما نزاع مستمر لم يصل بعد إلى مرحلة النزاع المسلح. وهذا مفهوم فما الفائدة من النزاع عليهما في غيابهما من الأسواق؟
ولكن للعراقيين تقاليد عريقة في الغزل بالمخضرات. فمن أشهر مقطوعاتهم الغنائية ما تقول: «مركب فجل سويت، وجروخه (عجلاته) شلغم»، ويربطون الكثير من سلوك المواطن بما يتناوله من المخضرات، فالباميا تنفخ المعدة، وبالتالي فإنها تعطي آكلها مشاعر الغرور والتعالي على الناس. إنها تنفخه! أما القرع والكوسة فهي عديمة الطعم والفائدة، وبالتالي فهي تجرد صاحبها من الذكاء والفطنة وتبلد مشاعره وتفكيره. أما الباذنجان بالذات فيعطي السوداوية والاكتئاب، (وهذا في الواقع ما توصل إليه الباحثون في الغرب مؤخراً). الطماطم تعطي القوة، ربما لهذا سماها أجدادنا عندما رأوها لأول مرة في القرن التاسع عشر «باذنجان إفرنج». ونظروا إليها نظرة ريبة وخوف. يظهر أنها كانت طلائع الهجمة الاستعمارية على ديارنا.
أعتقد أن القارئ الكريم بدأ يتضايق من كل هذا الهذيان القشطيني عن الباميا والكوسة والبندورة. هات يا رجل القصيدة الغزلية وخلصنا. حسناً وسمعاً وطاعة. هاكم هي:

أسود سواد الليل والزلف أخضر
جسمك جلد روغان والريحة عنبر
بالدهن من غطيت شربته كله
وسعر الدهن يا ناس ربى لي علة
يروح السمك والبيض واللحم فدوة
لعينك يا أبو المرقات يا أحلى غدوة
أسود بعين الناس وبعيني ذهبي
واحد من أهل البيت حسبتك ابني!
هم طرشي، هم تنقلي، هم شبخ محشي
بالرز والخبز صيف وشتا يمشي
لو تحكي بيها الناس المعدة قالت
جيبوا لي باذنجان الفرقة طالت
إش ما يحاول العدوان يفرض حصاره
ما يدري وحش الليل سوى لي شارة
والله ابعث لك الرحمن للناس رحمة
أتخيلك طول الليل بالطاوة لحمة!

البيت الأخير فقط من القصيدة ينم على روح اللحومية وإلا فالقصيدة بكاملها نباتية الذوق وبعيدة عن الهوس بلحوم الحيوانات ومنتجاتها.