نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الروس يقتربون

في زمن الحرب الباردة، كان الشرق الأوسط إحدى ساحات النزاع والتنافس على النفوذ بين القطبين العالميين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة.
كان السوفيات يعظمون نفوذهم بالإغداق في تسليح الجيوش وتدعيم البنى التحتية لدى الدول التي كانت ترتبط بمعاهدات صداقة مع الدولة العظمى، حتى بلغ الإنفاق السوفياتي على الأصدقاء الذين لم يرتقوا إلى مرتبة الحلفاء حجماً كبيراً أعاق نمو الدولة العظمى وجعلها رغم الندية العسكرية مع أميركا واحداً من أفقر الكيانات وأكثرها احتياجاً لأبسط مقومات الحياة.
اكتشف السوفيات وفي وقت مبكر أن كل ما قدموا لـ«الأصدقاء العرب» كان بمثابة بناء على رمال، ولم يكن ليخطر ببالهم أنهم سيزفون باحتفالات شعبية وهم يخرجون مطرودين من مصر، وفق مبدأ السادات بأن منافسيهم الأميركيين يتحكمون بتسعة وتسعين في المائة من أوراق الحل مع إسرائيل، فماذا يفعل المصريون بالواحد المتبقي!
ذلك كان أمراً مضى وانقضى، فما هو الوضع الروسي الآن في الشرق الأوسط؟
نجحت روسيا وبدبلوماسية ذكية في جعل العلاقة معها من قبل جميع دول الشرق الأوسط طبيعية وضرورية، فتمددت واتسعت تجارتها مع جميع دول المنطقة حتى المتخاصمات منها، وتحرر سلاحها من قيود الآيديولوجيا ومتطلبات الحرب الباردة، ووجد سبيله إلى معظم الجيوش دون قيد أو شرط، إلا أن الإنجاز الأهم في مجال النفوذ والتأثير ما تحقق لها في سوريا، أي إنها تغلغلت في عمق الجغرافيا الشرق أوسطية وثبتت قدميها فيها وبنت عليها علاقات جديدة كانت ممنوعة في الماضي، فها هي تجلس مع تركيا وإيران على طاولة واحدة لتقرير مصير سوريا، وها هي في الوقت ذاته تنسق مع إسرائيل في مجال الأنشطة العسكرية في الأجواء وعلى الأرض، وهذا التطور الذي تم في سنوات قليلة ربما لم يكن متوقعاً أن يتم في عقود، صار حقيقة راسخة من الحقائق السياسية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، فمن يريد حلاً سياسياً للمعضلة السورية فلا مناص من التحدث مع الروس والتفاهم معهم، ومن يريد حلاً عسكرياً فالروس هم أصحاب اليد العليا على الأرض وفي الأجواء، غير أن هذا النفوذ المستجد أثار سؤالاً منطقياً ما تزال الإجابة عنه غامضة أو من قبيل أسرار الآلهة، كيف يمكن لهذا النفوذ أن يمتد ليشمل العملية السياسية الشرق أوسطية على المسارين المتبقيين السوري والفلسطيني؟
بالاستنتاج الأولي فمن له كل هذا النفوذ لا بد أن يكون مؤهلاً لدور ما، إذا ما تم فتح ملفات التسوية على مستوى المنطقة بأسرها، أي حين يبدأ الأميركيون عملية سياسية كبرى رأسها المسار الفلسطيني الإسرائيلي وقاعدتها المنطقة برمتها، فمن يستطيع والحالة هذه القفز عن الروس الذين يمسكون بالورقة السورية ويملكون أفضلية التأثير على الجانب الفلسطيني من خلال حقيقة أن ما لا يقبله الفلسطينيون من الأميركيين سيقبلون به من الروس ما دام موقفهم الأساسي غير بعيد عن موقف الفلسطينيين.
من المبكر استنتاج حجم الدور الروسي وتأثيره بصورة محددة في هذا المجال، غير أنه بالإمكان القول إنهم يقتربون من هذا الدور.
مؤشرات الاقتراب ما تزال مبدئية وحذرة، وأكثر ما يلفت النظر منها تصريحات السيد لافروف عقب الزيارة الأخيرة لنتنياهو، والتي أشار فيها إلى أن الاجتماع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي تناول في جانب منه مجمل الوضع في الشرق الأوسط، وقد وضع السيد لافروف بعض النقاط على بعض الحروف حين قال: لقد اقترحنا لقاءً في موسكو بين عباس ونتنياهو وهذا الاقتراح ما زال على الطاولة.
في حمى الانتخابات الإسرائيلية المتصاعدة حرارتها على نحو غير مسبوق، فمن غير المتوقع أن يصدر عن نتنياهو أو من ينافسه تصريحات يفهم منها ترحيب بدور روسي خارج عن نطاق التنسيق في سوريا، ولكن بوسعنا توقع شيء بعد الانتخابات سواء كان رئيس الوزراء الفائز نتنياهو أو منافسه غانتس.
إن الفيتو الأميركي والإسرائيلي الذي رفع في وجه السوفيات رفضاً لأي دور لهم في أي عملية سياسية كان مبرراً بسلسلة مواقف وسياسات سوفياتية معادية لإسرائيل، أما الآن فقد اختلف الأمر تماماً، فأمامنا روسيا الجديدة وليس الاتحاد السوفياتي القديم، وأبرز ما يميز الجديدة أن لا أعداء لها على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.