سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

صائد المشاكل

في بدايات الاضطراب الجزائري الأخير ذكرت اسم الأخضر الإبراهيمي كأحد الإنقاذيين المحتملين في الرئاسة الجزائرية. ولم أذكر اسماً سواه لأننا لا نعرف الكثير عن ساسة الجزائر الجدد، ولا عن مدى ارتباطهم بالجيش، أو مدى تقبل الجزائريين الحقيقي للأسماء البارزة بينهم. وغني عن القول أنني اقترحت اسم الإبراهيمي كمرحلة انتقالية ومدخل في التهدئة، بسبب السن التي أصبح فيها. فالحل النهائي يفترض تأكيد أن تذهب الجزائر إلى انتخاباتٍ هادئة وتقترع لرئيسٍ غير متقدم في السن، قادر على معرفة ومواجهة التحديات الكبرى التي تراكمت منذ الاستقلال إلى اليوم. كانت هناك أسباب كثيرة للتفكير في الإبراهيمي في هذه المرحلة الشديدة الحساسية والهشاشة والدّقة. فهو رجل صلبُ الشخصية إلى حدٍ بعيد، وفي الوقت نفسه عاركته الدبلوماسية العالمية حيث تعلم الكثير في النجاح والفشل. من أفغانستان إلى سوريا مروراً بالحرب اللبنانية، تصدى لأكثر الأزمات السياسية تعقيداً ومرارة. ونحن نعرف من تجربته اللبنانية أنه خاطب المقاتلين بلغة المقاتل الجزائري وليس بلهجة الدبلوماسي الأممي. وسمعته مرة يروي أنه قال لأحد زعماء الميليشيات: «أنا هنا لكي أبلغك وليس لكي أسألك رأيك».
خرج الإبراهيمي من البركان السوري غاضباً ومتذمراً. فقد هاجمه فرقاء النزاع كطرف وليس كوسيط. وأعتقد أنه قرر بعدها التخلي عن هذه المهمة الصعبة في أي مكان. وعندما التقيته في بيروت سألته لماذا يصرُّ الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا على الاستمرار برغم إدراكه أن مهمته مستحيلة، فقال في لهجة حاسمة كعادته: «هذه إرادة دولية وليست إرادته». في الجزائر الآن الأخضر الإبراهيمي ليس في مهمة بل في رسالة. فهذا وطنه الأم برغم السنوات الكثيرة التي أمضاها في الخارج مبتعداً عن صراعات الداخل. وقد طرح اسمه للرئاسة غير مرة، لكنه كان أدرى بشعاب البلاد ومواريث حرب التحرير.
سوف يكتشف الإبراهيمي بالتأكيد أن الوضع في الجزائر لا يقل وعورة عن حرب أفغانستان أو لبنان أو سوريا. فهنا أيضاً المعضلة الكبرى هي في الصدأ والاهتراء الذي أصاب المؤسسات الوطنية الكبرى. وهي كما في الحالات المذكورة، تعاني من وباء الفساد المدمر. وعندما وصل الرئيس بوتفليقة إلى الحكم أعلن يومها أن على الجزائر أن تنسى اختفاء 12 مليار دولار في أَنفاق الهدر والاختلاسات، على أن تبدأ الحياة من جديد بكل نزاهة وجدّية. غير أن هذا لم يتحقق للأسف. وبقيت الشكاوى من دوائر الفساد المدني وغير المدني على ما هي. لذلك يبدو «صائد المشاكل» الدولي جزءاً أساسياً من الحل، أما الحل نفسه فطويل المراحل.