خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

مر عليّ يا حلو

وصلتني رسالة لقارئة مطلعة لم تذكر اسمها كالعادة، لا لأنها تتكلم في السياسة أو تشتم الحكومة أو تشك في انتصاراتنا ومستقبلنا الزاهر أو تتطرق لعلاقات غرامية وإنما - كما يخيل إلي - لأنها امرأة تبدي رأياً قد لا يعجب الرجال، فهي تتغزل في الباذنجان وتخشى الوقوع في غضب عشاق الباميا. ولكنها تذكر شيئاً عما ورد في «مروج الذهب» الذي تعرض للموضوع في قصيدة قديمة فأشار وقال: «وباذنجان بوراني به نفسك مفتونة»!
والباذنجان البوراني هو أكلة باذنجان مقلي بالدهن حتى الهريس يضاف إليه اللبن الناشف والثوم والقشطة وقليل من الماء. يوضع على نار هادئة بحيث ينشف الماء إلا قليلاً منه.
وبالمناسبة، أن الاهتمام بالباذنجان حدا بالسلطات قبل آونة إلى إضافته إلى قائمة الفواكه والمخضرات الخاضعة لقائمة التسعيرة الرسمية ويعاقب أمام محكمة تنظيم التجارة كل من خالفها. وأعتقد أنه ما زال تحت سلطان التسعير في شتى البلدان العربية.
وهذا إجراء ليس بجديد في تاريخ العراق الحديث. وله تاريخ يدغدغ مشاعر الضحك والسخرية. حدث أن قررت حكومة نوري السعيد إدراج الكثير من الفواكه والمخضرات في التسعيرة الرسمية. وكان منها تسعير اللفت «الشلغم». أثار ذلك روح السخرية في نفس أحد المواطنين فبعث ببرقية إلى مجلس الوزراء قال فيها: تسعيركم للشلغم أثلج صدورنا. سيروا على بركة الله. يظهر أن أحد موظفي مجلس الوزراء بعث بنسخة من البرقية إلى صحيفة «صوت الأهالي»، فنشرتها مع صورة فوتوغرافية للأصل. فأثارت زوبعة من الضحك والسخرية. ما زال العراقيون يتندرون بها، بعد أن أصبحت نكتة الموسم!
والمعروف أن «الشلغم» هو اللفت المغلي بالماء والدبس. يرش عليه الملح عند أكله. كان وما زال يعتبر من الأكلات الشعبية. تسمع الباعة المتجولين يطوفون به في طنجرة معدنية كبيرة تغلي في عربة خشبية بدائية. ينادون به بأعلى صوتهم: «مرهم الصدر يا شلغم»!
ولكن السلطات لم تعجبها تقليعة «تسعيركم الشلغم أثلج صدورنا» فأصدرت أمراً بتعطيل صحيفة «صوت الأهالي» ومقاضاة صاحبها في المحاكم.
والمعروف أن «الشلغم» المغلي بالماء والدبس كان وما زال من الأكلات الشعبية في سائر المدن والقرى داخل العراق وخارجه. يتباركون به ويعزون إليه قدرته على الشفاء من شتى العلل، ولا سيما السعال والنزلة الصدرية. تسمع البائع ينادي به بأعلى صوته «مر علي يا حلو!» والعبارة تنطوي على تورية ظريفة في ظاهرها إشادة بحلاوة اللفت مفادها أن المعروض للبيع ليس مراً بل حلو، وفي باطنها نداء للحبيبة الحلوة بأن تمر على البائع.