حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

حكمة ورعونة

تلقى اليمين الديني العنصري المتشدد لكمات قوية من الزعيمة القيادية المحترفة رئيسة وزراء نيوزيلندا الشابة جاسيندا أرديرن (عمرها 39 سنة، وتولت الحكم في هذه الجزيرة الوادعة النائية عام 2017 وعمرها 37 عاماً، وأنجبت طفلاً لتكون ثاني زعيمة في العالم تنجب طفلاً وهي على كرسي الحكم).
لقد أمست هذه الرئيسة الشابة أيقونة السلم والتعايش والسلام في العالم، فتفاعلت بصدق مع ضحايا مجزرة المسجدين ولم تكتفِ بالتعاطف التصريحاتي بل خطت خطوات عملية، فسددت لكمتين خطافيتين للعنصريين في اليمين الديني بشقيه المتشدد والإرهابي؛ الأولى بارتداء الحجاب، والثانية بتوجيهاتها بالصدح بالأذان في التلفزة والإذاعة النيوزيلندية يوم الجمعة الماضي، وهذان الإجراءان وإن بدوا شكليين لكنهما عميقان في إثبات جدية حكومتها على الوقوف بصلابة ضد من يريد أن يفتت النسيج الوحدوي النيوزيلندي، تحت دعاوى حماية الوطن ومقدراته ومكتسباته ووظائفه وآيديولوجيته من الغرباء والمهاجرين. هذا الموقف القوي الحازم ضد قوى التطرف اليميني حمل عدداً من الزعامات السياسية والإعلامية على ترشيحها المستحق لجائزة نوبل للسلام.
لقد خسر اليمين العالمي العنصري الديني المتشدد معركة في نيوزيلندا لكنه لم يخسر حربه العالمية، بل إن مؤشر المعارك يميل لصالحه بقوة، فقد وصل رموزه السياسية والإعلامية والبرلمانية والتعليمية إلى مواقع مؤثرة، حتى إن بعض الزعامات السياسية المتعاطفة مع اليمين المتشدد وصلت في بعض الدول العظمى إلى مناصب سياسية عليا بل إلى هرم السلطة، وما برحت زعامات العالم الغربي بحاجة إلى مثل زعيمة نيوزيلندا التي لم تأبه ولم تكترث لتصاعد قوى اليمين المتطرف لا في بلادها ولا في خارجها، ولم تأبه بخطورة الجناح الإرهابي عند المتدينين العنصريين واحتمالية ثأرهم، على خلاف بعض زعامات الدول الغربية التي بدأت تخور وتضعف أمام المد المتنامي لهؤلاء العنصريين المتشددين، والمقلق ومكمن الخطورة في هذا الشأن أن هؤلاء المتطرفين العنصريين لم يصلوا إلى مواقعهم السياسية والبرلمانية إلا عبر صناديق الاقتراع، وأصبحت توجهاتهم العنصرية ضد (الآخر) تلقى شعبية وقبولاً.
اللافت في طريقة معالجة العالم الغربي لإرهاب اليمين الديني المتطرف عندهم أنهم، في الغالب، لم يستدعوا حالة الإرهاب لدى بعض الفئات المتشددة عند المسلمين، بل ركزوا بكل موضوعية مجاهرهم على اليمين العنصري المتدين عندهم، ولم يرشقوا اتهامات الإرهاب على من يستحق ومن لا يستحق، بل ضيقوا دائرة التهمة وحددوا موقع الجرح واستخدموا المشرط المناسب. وعلى الضفة الأخرى عند بعض الإعلاميين العرب صورة اعتذارية هزيلة في تناول الحدث الإرهابي في نيوزيلندا، فحشروا الحديث عن الإرهاب عند المسلمين، في وقت لم تجف فيه دماء أكثر من مائة مسلم مسالم من ضحايا إرهاب عناصر اليمين الديني الغربي المتشدد في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية.
الإرهاب عند الفئات المتشددة من المسلمين ظاهرة خطرة، ومرض عضال يستحق المعالجة، هذا لا جدال فيه، الخطأ في توقيته وحشره مع الحدث الإرهابي في نيوزيلندا فقط.