خير على خير

إنني مع الأسف كثير القلق على صحتي. لاحظ ذلك صديقي عزيز أحمد. كنت قد شكوت من التبول الأحمر بسبب الإفراط في أكل البنجر. قال لي: لقد عرفتك يا خالد منذ صباك على هذه النفسية. ألم نرَ لم يكن هناك أي داع للخوف من شيء. ها هي أعوام مرت وأنت لم تمت. الفحص الطبي يخبرك بوجود أو عدم وجود شيء. وإذا وجدوا شيئا فسيتولون معالجته. وإذا لم ينجح العلاج فستموت وتدخل الجنة. وإذا كان مصيرك النار فستلتقي بكل أصحابك الذين سبقوك إليها، وكل المفكرين وأصحاب الرأي. مش بطال، أليس كذلك؟
حكايتك يا أخي عزيز وصديقي القديم تذكرني بحكاية العرب الأفغان في «القاعدة». كان أحدهم هاشاً باشاً يضحك طوال النهار فتعجبوا من أمره فسألوه: ما لك؟ ألا تقلق من هذا الوضع وكل هذه التهديدات من أميركا؟ فقال: لماذا أقلق؟ احتمالات الأذى قليلة. هناك احتمالان لا ثالث لهما؛ إما أن تندلع الحرب أو لا تندلع. فإذا لم تندلع فخير على خير. وإذا اندلعت فهناك احتمالان؛ إما أن ننتصر عليهم أو ينتصرون هم علينا. فإذا انتصرنا عليهم فخير على خير. وإذا انتصروا هم علينا، فهناك احتمالان؛ إما أن يأسرونا أو يعدمونا رمياً بالرصاص. فإذا اكتفوا بأسرنا واعتقالنا فخير على خير. وإذا أعدمونا فهناك احتمالان؛ إما أن يصلوا علينا ويدفنونا كمسلمين وإما أن يستعملوا أجسامنا في صناعاتهم الكبرى. فإذا صلوا علينا ودفنونا مع المسلمين فخير على خير. وإذا استعملونا في صناعاتهم، فإما أن يصنعوا منا صابوناً معطراً أو ورقاً. فإذا صنعوا منا صابوناً معطراً فخير على خير. سنحظى بملامسة شتى الحسناوات الفاتنات. ولكن إذا ما صنعوا منا ورقاً فإما سيستعملوننا لطبع الكتب أو لورق المراحيض. فإذا استعملونا كورق لطباعة الأدب والعلم فخير على خير. لا اعتراض لدينا. ولكن إذا حولونا إلى ورق مراحيض فهنا يا أخي سنتأذى!
ثم التفت المحارب الأفغاني القديم إلى أصحابه وقال: شفتوا يا إخوان يعني احتمالات الأذى قليلة جداً.
هذه حقاً حكمة مهمة لو طبقناها على كل مشاكلنا الوطنية والشخصية لتلاشت كل همومنا، على الأقل. خذوا مثلاً هذه المسألة العويصة القديمة، مسألة فلسطين. لماذا سموها مسألة فلسطين؟ لأنها مثل مسائل الحساب والرياضيات. تهد الأعصاب وقلما ينتهي التلميذ منها بنتيجة مرضية. الاحتمالات المرتبطة بها منذ صدور وعد بلفور حتى اليوم تذكرني بصاحبنا المقاتل الأفغاني هذا: سلسلة احتمالات كلها تقوم على ميزان خير على خير بدليل أنه ما زال هناك فلسطينيون، خير على خير، يواجهون مثل تلك الاحتمالات!