حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

نيوزيلندا... الدرس المهم

أسوأ الأعراض الجانبية للجرائم التي ارتكبها عنصريون دينيون متشددون ضد المساجد والمؤسسات الإسلامية في الدول الغربية، أنها تستدعي بعث صراعات وثارات دينية قديمة كالحروب الصليبية وحملات الاستعمار والاحتلالات المتكررة على العالم الإسلامي، ثم استحضار نصوص شرعية توضع في غير سياقها «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم»، «قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة»، هذا ناهيك بالدعاء عليهم بتيتيم أطفالهم وترميل نسائهم وتجفيف أنهارهم، وهذا بالضبط ما حصل حين ارتكب مؤخراً أحد عناصر اليمين المتطرف جريمته الإرهابية البشعة في المسجدين في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية.
هذا التعميم علاوة على أنه من الظلم البين، فالغربيون ليسوا سواء، فهو أيضاً يفتقر إلى الحصافة والكياسة والنظر في مصالح الأقليات المسلمة في الدول الغربية التي تستدعي توثيق العلاقة بالمجتمعات الغربية المضيفة وتجسير العلاقة معها بدل توتيرها وإحداث الشروخ في بنيتها، والمؤلم في هذا الشأن أن الذين يؤججون نار العداوة مع مجتمعات غربية مسالمة بسبب ندرة متشددة أو إرهابية هم عميان أو يتعامون عن رؤية ردود الفعل الإيجابية اللافتة التي تتالت بعد الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا، بدءاً من رئيسة وزراء نيوزيلندا مروراً بأعضاء حكومتها وانتهاء بشرائح كبيرة، عُدَّت بالألوف، من الشعب النيوزيلندي احتشدت بتلقائية في الجمعة التي تلت جمعة المجزرة الإرهابية، فتوشحت مئات السيدات النيوزيلنديات بالحجاب وعلى رأسهن زعيمة نيوزيلندا، وارتفع صوت الأذان من الإذاعة والتلفزة النيوزيلندية في مشهد تضامني رائع.
فهل هذه الأغلبية التي أعلنت تضامنها ووقوفها مع الأقلية يصح عليها وصف «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم»؟ لقد كان رضاهم في طمأنة الأقلية المسلمة برفعهم شعار «أنتم نحن، ونحن أنتم»، وأهل نيوزيلندا لم يطلبوا أن يتبع المسلمون ملتهم، بل الذي حصل العكس، فمن خلال التواصل التضامني بين شرائح من الشعب النيوزيلندي والمراكز الإسلامية، اتبع عدد من النيوزيلنديين ملة المسلمين فأشهروا إسلامهم كما يقول عدد من المصادر، وهذا لا يتعارض مع الحقيقة القرآنية «حتى تتبعوا ملتهم» مطلقاً، فوجود ألوف المؤسسات التبشيرية لتنصير المسلمين في آسيا وأفريقيا يؤكد هذه الحقيقة القرآنية.
الحقيقة الأخرى أن عموم الشعوب الغربية استنكفت عن اتباع المسيحية وأهملتها وهجرت كنائسها، فإذا كان هذا موقفها من المسيحية، فكيف نتصور عقلاً أن تكون لهم رغبة في أن يتبع المسلمون ملتهم؟ هذا التنوع في نسيج المجتمعات الغربية تسنده الآية الكريمة الأخرى التي تتحدث عن المسيحيين واليهود «ليسوا سواء».
هذه الشريحة بالذات التي تشكل السواد الأعظم من الشعوب الغربية، هي التي يجب أن تقوي الأقليات المسلمة علاقتها معها، وهي التي وقع الخلط في فهم حقيقتها وانتماءاتها واختلافها الكبير عن الأقلية المتشددة واليمينية والإرهابية والعنصرية عندهم.