مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

«يا غريب كن أديب»

أحد الأصدقاء كان يحب زوجته حباً جمّاً، وكان دائماً بمناسبة ومن دون مناسبة يحكي لنا عن محبته لها، وفي إحدى الليالي وبينما كنّا «مسفهّلين»، أي منشرحين ومصهللين، وإذا به ينتحي بي جانباً، ويفتح لي كالعادة عن عاطفته الجياشة لزوجته، وكيف أنها في هذه الأيام تمر بوعكة، وبدأت نبرة صوته تختلف، وبدأت عيناه تغرورقان بالدموع، وقال لي: أقسم لك بالله لو أن زوجتي توفيت سوف أتبعها أنا بعد ثلاثة أشهر مش أكثر. أخذت أنا أفكر، لماذا بعد ثلاثة أشهر وليس اثنين أو أربعة، لكني لم أفصح له عن تساؤلي، وقلت له: الله يحفظ لك «أم فلان»، لتمكث معنا أنت أطول مدّة ممكنة لنسعد بضحكنا و«سوطرتنا» عليك.
والذي دعاني لتذكر ذلك الصديق هو ما قرأته عن رجل يمني، عندما توفيت زوجته اجتاحته موجة عارمة من الحزن، لفظ أنفاسه خلالها بعد ساعتين ونصف الساعة.
أعود إلى صديقي الذي بدأت به هذا الكلام، فقد باعدت بيننا الظروف والأيام، حيث إنه سافر يعمل في بلد خارجي، وبالصدفة التقيت به قبل أشهر عدة، وأول ما سألته عن زوجته، فقال لي: توفيت الله يرحمها، سألته بألم: ومتى كان ذلك؟!، قال: قبل سنوات عدة.
عندها كدت أسأله عن حكاية «الأشهر الثلاثة»، لكنني الحمد لله سيطرت على لساني.
***
أسوأ الأحذية هي الأحذية الرجالية، خصوصاً ما يقال له «البصطار العسكري»، وأروعها هي الأحذية النسائية، ولم يكذب المطرب عبد الوهاب عندما سأله صحافي وطلب منه أن يعرّف المرأة بجملة من كلمتين، فقال له: هي «الكعب العالي»، وعاد يسأله: والرجل؟!، أجابه: «الكعب الواطي».
عموماً، لم تعد المرأة الآن تعبأ بالكعب العالي كثيراً، فتجدها تلبس من كل صنف ولون، ابتداءً من «التنس شوز»، إلى الصندل، إلى الشبشب الزحّافي، وهو الذي تغنّى به المطرب الراحل عبد العزيز محمود، عندما شاهد حبيبته تلبسه، فقال: يا شبشب الهنا يا ريتني كنت أنا.
أما أغرب حذاء مرّ عليّ في حياتي، فهو عندما كنت جالساً في بهو فندق «الهيلتون» في روما، وإذا بامرأة ملفوفة القوام كأنها «أرتست»، ترتدي حذاءً موسيقياً – نعم موسيقياً - فمع كل خطوة من سيقانها هناك نغمة مختلفة تصدر منها، وقد شاهدها وسمعها كل الجالسين في المكان، وهي تمشي وكأنها ترقص، وخطر على بالي من شدّة حماستي بها، أن أصفق لها على «واحدة ونص»، لكنني لجمت نفسي قائلاً: «يا غريب كن أديب»، خصوصاً أنني خفت بعد أن لاحظت أن كعب حذائها كان معدنياً صلباً.