حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الفوضى الليبية!

عندما قامت مظاهرات من قبل بعض القبائل بجهل في ليبيا ضد الملك الصالح إدريس السنوسي، كانت هتافات تلك الجماعات الموتورة «إبليس ولا إدريس». ويبدو أن أبواب السماء كانت مفتوحة، فكانت ساعة استجابة، ووصل القذافي للحكم.
فترة حكم سوداء وسيريالية، فيها من المضحك المبكي والمفزع والدموي الشيء الكثير. وقائع وأحداث وصفها ببراعة الروائي الليبي الفذ هشام مطر، في رائعته المعنونة «في البلد رجال»، الذي قال على لسان أحد أبطال هذه الرواية الجميلة وهو يحادث أهله بعد أن هربوه من الالتحاق بالجيش الليبي للحرب في تشاد: «كان هذا أفضل ما فعلتماه؛ أنكما أرسلتماني بعيداً». ليبيا كانت بلداً طارداً للحياة، بعيدة كل البعد عن العيش الآدمي. القبيلة أهم من الدولة، والرئيس مجنون يحكم، بلد لا مكان فيه للعقل ولا للأمل.
وصف وضع الشباب فيه أهم مطربي الفن الليبي، الموهوب الكبير ناصر المزداوي، حين أنشد قائلاً: «أنا مسافر وحامل في يدي شنطة سفر». حبا الله ليبيا بعدد سكان محدود، وثروة لا حدود لها من النفط، والنفط الليبي كان من الناحية النوعية الأعلى جودة في العالم، ولكن كانت دولة عشائرية قبلية، على عكس جارتيها مصر وتونس، ولكن وجهت اهتمامها للفتن والاقتتال على خارج حدودها.
نظام القذافي كان المال القذر واليد المسمومة للمؤامرات والاغتيالات والإرهاب، أذاق شعبه الويلات وأفقره ودمر بلاده. وبعد إزالته وإزالة نظامه، عاد الليبيون إلى عادتهم الأولى، ليتناصروا بعضهم ضد بعض، قبلياً وعشائرياً، ويسمحون لمطلوبين إرهابيين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش» بأن ينخرطوا وسط تنظيم ممول من نظام الانقلاب في قطر، فتكون العودة مجدداً لنظام يحمي القبائل والعشائر قبل حماية التراب الليبي الموحد، نظام «يحمي» مجرمين إرهابيين قاموا من الأراضي الليبية، وانطلقوا إلى داخل مصر وتونس لتنفيذ عمليات إرهابية، ناهيك عن الاتجار بالبشر والسلاح والمخدرات.
يقول أهم مفكري ليبيا ومثقفيها، الراحل الصادق النيهوم: «ليبيا دولة من القش فوق بحيرة من البترول، ما أسرع أن تأكلها النيران». كان محقاً، فنتيجة الخلافات التي تمزق القبائل والعشائر الليبية، وغياب البعد الوطني، تعطل إنتاج النفط الليبي، وهو النوع المرغوب وبشدة في الأسواق الأوروبية، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ ومستمر في أسعار النفط.
تشابك المصالح عقد الأمور في ليبيا؛ هناك من يتحدث بلسان الوطن الموحد، وهناك من يقاد من تنظيم دولي مشبوه، مدعوم من مال قطري مشبوه، وشتان الفرق بينهما. الوضع في ليبيا خطير، وأبعاده على الأمن الأوروبي والمصري والسوداني والتونسي والجزائري لا يمكن التقليل منها. هناك حكومة في طرابلس تم اختراقها من قوى إرهابية، تسير في طريق انفصالي مريب، وتبعات ذلك كارثية، لأن ما يخطط له في طرابلس هو تماماً ما تم تنفيذه في غزة، بفصلها التام عن الضفة الغربية. يقول المثل الليبي: «ما في الشتاء ليل دافي، ولا في العدو قلب صافي»؛ ليل ليبيا طويل، ولا يمكن لفريق لم يؤمن بالوطن أن يدافع عنه.
وعن «دفاع» نظام الانقلاب في قطر عن ما يحدث في ليبيا، لا أجد أبلغ من كلمة عمر المختار الخالدة التي قال فيها: «أموالكم تماماً مثل مجدكم، ليست خالدة»، وإذا لم تكن هذه الكلمات كافية، فمن الممكن أن نضيف عليها كلمة القذافي المعبرة: «من أنتم؟».