حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

الأمير تشارلز والسمات القيادية اللافتة

يوم الأربعاء الماضي، 2019-4-3، زار الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني مركزَ التراث الإسلامي البريطاني في مدينة مانشستر الذي أشرُف برئاسة مجلس أمنائه، وقد تَعَمَّد الأمير الحصيف المثقف أن يغير النمط التقليدي لزياراته للمؤسسات المماثلة ذات النفع المجتمعي، وبدلاً من أن يكون الأمير هو المتحدث الرئيسي على المنصة ثم يَتَلَقَّى الملاحظات والتعليقات والأسئلة، كما تقتضي بروتوكولات اللقاءات التقليدية، مرَّ على جميع المدعوين فرداً فرداً من الرموز السياسية ووجهاء مانشستر إلى «سكيورتي» المركز، وتحدث مع كل واحد منهم بلا تمييز بينهم، وكان عددهم يصل لحدود المائة شخص يمثلون وجهاء المجتمع من رجال دين وسياسيين ورجال أعمال وأكاديميين وأطباء، بالإضافة إلى أعضاء مجلس أمناء المركز وجميع موظفيه، وكأن ولي العهد البريطاني يوجه رسائل تطمين لجميع الأقلية المسلمة في بريطانيا بعد الجريمة الإرهابية البشعة في نيوزيلندا، ذاك الزلزال الإرهابي الذي وصلت ارتداداته إلى كل الأقليات المسلمة في الدول الغربية، هكذا بدا لنا، وإلا فترتيبات الزيارة بدأت قبل وقوع جريمة المسجدين في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية بنحو شهرين، ولا تعارض؛ فقد يكون ولي العهد البريطاني بحصافته وخبرته أراد أن يوظف زيارته لمركز التراث الإسلامي البريطاني في مدينة مانشستر لتوجيه رسالة مزدوجة غير مباشرة؛ أولاً لتطمين كل الأقلية المسلمة البريطانية، وثانياً ضد العنصريين ورموز اليمين المتطرف مهما علا صوتهم وزاد ضجيجهم.
اللافت في هذه الزيارة هو ما يتحلى به هذا الأمير «المثقف»، من صفات قيادية، فقد اتسم الأمير السبعيني باللياقة البدنية واللباقة الاجتماعية، اللياقة البدنية التي مكّنته من الوقوف مدة لا تقل عن ساعة ونصف الساعة دون أن تبدو عليه علامات الإجهاد أو مؤشرات الملل، ودون أن يجلس على كرسي قط، واللباقة الاجتماعية التي منحته قدرة مذهلة في الحديث مع كل فرد من الحضور المائة بلا استثناء، كل واحد سمع منه وأسمعه ولاطفه وظفر منه بتعليق ظريف وخفة دم تبعث على الابتسامة حيناً والقهقهة حيناً آخر، وهذه السمة تحتاج إلى قدر كبير من حسن الإصغاء وحلاوة الرد وسرعة البديهة، وهو ما يفتقده بعض الساسة والإعلاميين ورجال الأعمال، وهو درس مهم للأجيال الصاعدة.
في أواخر التسعينات الميلادية، حين كنتُ مسؤولاً عن المركر الثقافي الإسلامي في منطقة ريجينت في قلب العاصمة البريطانية لندن، لاحظتُ في السجل التاريخي للزيارات أنه قد خلا من أي زيارة للعائلة المالكة البريطانية، الملكة أو أحد أبنائها، هذا على الرغم من أهمية المركز الأم في المملكة المتحدة وأكثرها عراقة، فكتبتُ حينها للأمير تشارلز أدعوه لزيارة المركز وإلقاء محاضرة يوجه فيها الأمير الرسائل المناسبة لتلك الحقبة، فأرسل لي اثنين من مساعديه للتباحث حول فكرة الزيارة، إلا أن الزمن مضى به وبنا دون أن تتحقق هذه الزيارة، ولما التقيتُه الأربعاء الماضي في مركز التراث الإسلامي البريطاني في مدينة مانشستر عرفتُه بنفسي وعملي السابق في المركز الإسلامي في لندن، فأدهشني رده، قال لي: نعم، المركز الذي لم أزره! فذكّرته بدعوتي له، والتمست له العذر فقلت له: لعل ازدحام جدول سموكم حينها حال دون الزيارة، فرد مبتسماً ومنحياً باللوم على نفسه، ومعتذراً عن عدم تلبية الدعوة.
القيادة وتصدّر الناس والجاذبية الجماهيرية، ليست فرماناً يصدر لأحد، ولا ثياباً تؤخذ من أرفف المحال فتُلبس في الحال، ولا سمات ينفع فيها الدرهم والدينار أو (كان أبي)، بل تحتاج إلى تأهيل وتدريب وصبر ومصابرة ولياقة ولباقة وطول تجربة، (ولولا المشقة ساد الناسُ كُلُّهُم).