د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الأزمة الليبية و«غدامس 2»

هل سيكون المؤتمر الجامع في غدامس الليبية بداية النهاية للبرلمان ومجلس الدولة الجسمين المتنازعين في ليبيا؟
«الجسمان التشريعيان» لن توجه إليهما الدعوة، وعليهما أن يستمعا إلى آراء الليبيين، هذا ما أكده المبعوث الدولي غسان سلامة حول هوية المدعوين إلى المؤتمر الجامع في المدينة الواقعة غرب ليبيا قرب الحدود مع تونس والجزائر، في إشارة واضحة إلى البرلمان ومجلس الدولة، وإن كان الأخير ليس جسماً تشريعياً وفق اتفاق الصخيرات، وهو مجرد مجلس استشاري وكان نتيجة تسوية الصخيرات، وترضية ضمن سياسة تمكين الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وتوطينه ضمن مشروع أوباما - هيلاري كلينتون، بعد خسارة انتخابات البرلمان، فتم إعادة إنتاج المؤتمر الوطني والتمديد له، ولكن بنكهة واسم جديد هو مجلس الدولة.
لكن يبدو أن هذا المؤتمر الجامع في غدامس لا يسعى إلى إعادة إنتاج البرلمان ومجلس الدولة، وهذا واضح من مشاورات سلامة وتصريحاته منذ البداية، إذ أنه قرر الذهاب إلى المؤتمر الجامع في حالة فشل الاتفاق أو التوافق بين البرلمان ومجلس الدولة، بعد سلسلة من الحوارات الماراثونية في تونس انتهت بالفشل.
سلامة الذي عرض بنود المؤتمر الجامع ملخصةً في قوله: «الانتخابات، وقانون تنظيمها، والكثير من الأمور ستُناقش خلال الملتقى الوطني»، لوّح بالعصا بعد أن رمى بالجزرة في وجه المعرقلين، وهدّد بالذهاب إلى مجلس الأمن لمحاسبتهم.
لقد شهد الليبيون كيف أن المجتمع الدولي بَقِيَ يتفرج على الأزمة الليبية من بعيد حيناً من الدهر، بعد أن تسبب بإغراقها في الفوضى إثر إسقاط الناتو الدولة الليبية وتركها تحت سيطرة الميليشيات والعصابات المسلحة لتغرف ما شاءت من مخازن السلاح بغير حساب حتى كبرت وطغت، والآن يزعم الحل، ولهذا فالإجماع الدولي ربما لم يعد يعني الليبيين في شيء، لأنه ببساطة ترك هذه العصابات الإرهابية تنهش الليبيين طوال ثماني سنوات.
ما يعنينا الآن هو الإجماع العربي في قمة تونس الذي يعتبر خريطة طريق يمكن التعويل عليها، فليبيا الآن تشهد حراكاً مهماً بين مؤيد للمؤتمر الجامع وآخر رافض له، المؤتمر الذي دعا إليه المبعوث الدولي غسان سلامة بعد أن صرح بأن هناك سياسيين ليبيين يعرقلون الحل السياسي في ليبيا لمصالح شخصية، بل واتهمهم سلامة بالفساد السياسي وحتى المالي، بعد تزايد عدد المليونيرات، الأمر الذي يعتبر بلاغاً للنائب العام بشأن التحقيق في هذا الفساد المالي الرهيب، الذي وصفه سلامة بأنه نهب للأموال الليبية بشكل غير مسبوق.
الأمر ليس مناكفة سياسية بين حزب وآخر أو فريق وآخر، بل هو اتهام صادر عن مسؤول أممي يعرف ما يقول، فليبيا التي يتنازعها الفساد وانسداد الأفق السياسي، وفي ظل وجود هذا الكم من المعرقلين، أعتقد أنه لا حل سياسياً لها، في ظل هذه الوجوه المستميتة على السلطة وخطف البلاد، وأعتقد أن الجيش الليبي هو الحل، خاصة أنه أثبت جدارته في مكافحة الإرهاب، ليبرهن أنه مؤسسة متجذرة تعمل لصالح الوطن وقدمت التضحيات الجسام، وبالتالي في ظل اقتراب الجيش من تحرير العاصمة من سيطرة الميليشيات وابتزازها، ستعود الدولة ويستتب الأمن، وتستقيم الأمور وتستريح البلاد التي تعمها الفوضى.
الليبيون يطمحون لأن تنتهي هذه المأساة في بلدهم بشكل سريع، فقد بلعت الفوضى الدولة مالياً وسياسياً واقتصادياً، وحان وقت النهوض.
لقد حان لهذا المارد الراقد على هذه الثروة الضخمة أن يستيقظ ويستثمر أمواله في البناء والتعمير والنهضة وصنع التقدم، وبناء دولة حديثة رائدة ينعم أبناؤها بالأمن والرخاء.