خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

بلوى الشعراء بالثقلاء

إذا كان الشعر ديوان العرب، فمن الممكن أن نقول والثقلاء ديوان الشعراء. نستطيع أن نفهم ذلك ونحن نتصور مدى المضايقة التي يشعر بها الشاعر عندما يتطفل عليه رجل ثقيل وهو ينظم قصيدة رفيعة. لا شك أن هذا ما شعر به البهاء زهير عندما كان مريضاً وعاده شخص ثقيل الدم فقال فيه:
وعائد هو سقم لكل جسم صحيح
لا بالإشارة يدري ولا الكلام الصريح
وليس يخرج حتى تكاد تخرج روحي
وقد ترددت شكوى الشعراء والأدباء من الثقلاء في شتى الكلمات التي شاعت بيننا، كهذا البيت المعروف:
أنت يا هذا ثقيل وثقيل وثقيل
أنت في المظهر إنسان وفي الميزان فيل
وأعطى شاعر آخر صورة سينمائية بديعة لهذه البلوى فقال:
سقط الثقيل من السفينة في الدجى فبكى عليه رفاقه وترحموا
حتى إذا طلع الصباح أتت به نحو السفينة موجة تتقدم
قالت خذوه كما أتاني سالماً لم أبتلعه لأنه لا يهضــم
أزعج من كل ذلك عندما يكون الثقيل شخصاً قريباً للشاعر. وهو ما ألم بالحطيئة عندما هجا والدته بتلك الأبيات الشهيرة:
تنحي واجلسي عني بعيداً
أراح الله منك العالمينا
اغربيلا إذا استودعت سراً
وكانوناً على المتحدثينا
حياتك ما علمت حياة سوء
وموتك قد يسر العالمينا
نجد في حكاية أخرى شيئا ظريفاً من التورية عندما قال رجل لمطرب لم يحسن أداءه فقال له: إنك لا تعرف الثقيل الأول ولا الثقيل الثاني (وهما لحنان موسيقيان)، فقال له المغني: كيف لا أعرف، وأنا أعرفك وأعرف أباك أيضاً؟
ومن طرائف ما كتبه مصطفى صادق الرافعي أنه عانى من ثقيل لا ينفك من زيارته المزعجة فقال فيه:
وثقيل بات في نقم
وأراني منه في نقم
قال: ألقاك صباح غد
يا غد عجّلت بالسقم
لو يقوم الميتون غداً
لتكاسلت ولم أقم
وعلى غرار ذلك قال علي الجارم:
تباً له من ثقيل
دماً وروحاً وطينة
لو كان من قوم نوح
لما ركبت السفينة!
ونظم علي الجندي هذه الأبيات في وصف رجل أثقل عليه:
ثقيل على أرواحنا ثقل الحجر
نلقبه من شؤمه زحل البشر
تغيب بشاشات المنى بحضوره
وتهجر أحزان النفوس إذا هجر
كأن ثلوج القطب حشو ثيابه
فإن هو وافى كاد يقتلنا الخصر
وأبشع من ضحك القرود حديثه
وأقبح من فقر ألمّ على الكبر
يمن على جلّاسه بجلوسه
وأمتع منه أن تجالسك البقر
فيا ليته يوماً أحس بأنه ثقيل
على الروح الخفيفة فانتحر
فيا رب لا تدخل جنانك مثله
فيهرب منها الصالحون إلى سقر