حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الانهيارات المالية: القصص والعبرة

أتابع باهتمام شديد تفاصيل قضية كارلوس غصن التنفيذي ذائع الصيت والنفوذ في عالم السيارات، والآتي من أصول لبنانية - برازيلية، ويحمل الجنسية الفرنسية، الذي يواجه سلسلة من الاتهامات الجادة والبالغة الخطورة والأهمية أمام القضاء الياباني، بحسب ادعاءات النيابة العامة هناك. وفي الوقت نفسه، أتابع بحسرة ردة الفعل الحماسية والعاطفية، التي يتعاطى فيها الإعلام اللبناني مع القضية، واعتبار ما يحدث «مؤامرة بحق رمز وطني»، بينما تؤكد المعلومات التي يتم تسريبها بالتدريج، أن هناك تجاوزات مالية خطيرة حصلت من قبل المتهم، وأن هذه التجاوزات مكررة وممنهجة، وفيها أسباب وجيهة تستدعي توجيه التهمة الأعظم ضده وهي «خيانة الأمانة». وقد أعدت النيابة العامة اليابانية ملف الادعاء جيداً واستكملت أدلتها بشكل قوي. والجدير بالذكر أن النيابة العامة اليابانية لديها أشد عقيدة وفلسفة ادعاء في العالم اليوم، حيث إنها لا تقدم أي اتهامات أو ادعاءات للقضاء إلا بعد تأكدها التام والمطلق، وذلك حماية لسمعة القضاء في اليابان، ولذلك حققت النيابة العامة في اليابان أعلى نسبة فوز في المحاكم على مستوى العالم بلغت 99.8 في المائة.
إنه الجشع والفساد التابع له. وهو أيضاً ما يفسر أسباب السقوط الهائل من القمة لشركة «أبراج كابيتال» المالية بعد تجاوزات مالية وسقوط كبار التنفيذيين فيها في قبضة القضاء الأميركي، بعد توجيه تهم جادة وخطيرة ضدهم.
أتذكر حديثي مع أحد رجال الأعمال المهمين في الخليج العربي، الذي قدم إليه مندوب أبراج كابيتال ملف الشركة الاستثماري لدعوته للمشاركة فيها، وقال لي إنه رفض الدخول معهم لوجود 5 صور للعضو المنتدب في تقرير الشركة السنوي، مما يعني أن الشركة انصرفت لتضخيم الذات والأنا المتعاظمة لمديريها وهذه كارثة. إنه الجشع والفساد. وهذا يؤدي بنا إلى عدم وجود استفادة «حقيقية» من حالات الانهيارات المالية التي حدثت في مختلف دول العالم وتوثيقها في أعمال كتابية، وبعد ذلك تقديمها «كحالة» للدراسة بشكل أكاديمي في كليات الأعمال والإدارة بالجامعات المعنية.
هناك محاولات محدودة تستحق الإشادة بها، فالكاتب محمد عبد المولى الزغبي أصدر كتاباً بعنوان «بنك الاعتماد والحقيقة الغائبة» يسرد فيه ما حصل لبنك الاعتماد والتجارة، وإن كنت أتمنى أن يقوم بعض كبار الصحافيين العرب الذين عاشوا في لندن خلال تلك الحقبة برواية ما يعرفونه عن هذه القصة المثيرة التي تستحق أن تروى «كاملة». كذلك هناك الجهد التوثيقي الرائع الذي قام به الكاتب اللبناني كمال ديب عن سقوط بنك «أنترا» في جزأين؛ الأول عن مؤسسه يوسف بيدس والثاني عن روجيه تمرز، وهناك إصدار ثالث سيصدر قريباً لتغطية الحقبة الأخيرة. إلا أن هناك وقائع كبيرة لم يتم توثيقها ولا تدريسها بالشكل الأكاديمي، ومنها ظاهرة توظيف الأموال التي انتشرت في الثمانينات في مصر وانتشرت صور مقلدة منها في دول عربية أخرى، وجميعها كانت تعتمد على فكرة استخدام الدين الإسلامي للترويج للعوائد المغرية التي يعدون بها المودعين.
شركات تتعرض لعقوبات في البورصات ومع ذلك هناك «حذر» مبالغ فيه من التحقيق فيما حصل يحرم الناس من الاستفادة مما حدث بشكل علمي. هذه الوقائع من المفروض أن تساهم في تطوير سياسات policies، ولكن مع الأسف كل ما تنتجه هو سياسة policy سرعان ما تنقلب إلى نميمة مجالس وليس أكثر. هذه الكوارث المالية تحدث في كل دول العالم ولكن ما يحصل بعدها يبقى مختلفاً. أتذكر واقعة حصلت معي وقت قابلت فيها كن لاي الرئيس التنفيذي لشركة «إنرون» الأميركية التي كانت وقتها حديث العالم كأهم شركة في قطاع النفط، وبدأ في الحديث عن طموحاته وأحلامه وبعدها بأيام كنت في بومباي بالهند أتناول الغداء مع عائلة «الهندوجا» ذائعة الصيت في عالم الأعمال بالهند، وكانت السيدة ربيكا مارك كبيرة التنفيذيين في «إنرون» في الهند تعلن عن صفقة العصر لشركتها، فما كان من أحد أفراد الهندوجا إلا أنه علق وقال إن «هذه الشركة لن تدوم... إنها مهتمة بالأخبار وليس بالإدارة»، وقد تحقق ما توقع الرجل.
انهيار شركة «إنرون» تحول إلى إحدى أهم دراسات الحالات في عالم الإدارة، ومن أهم محفزات التشريعات المالية الجديدة.