حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الإرهاب يصل إلى سريلانكا!

مثلما حدث من قبل في كرايستشريش في نيوزيلندا، ها هو الإرهاب يختار واحةً آمنةً أخرى. أكثر من ثلاثمائة قتيل وعشرات الجرحى كانوا حصيلة أعمال إرهابية متتابعة في فنادق وكنائس مختلفة في جزيرة سريلانكا. بلد مسالم، يقع على جزيرة في المحيط الهادي جنوب الهند، فيها معدلات محو الأمية 97% وهي الأعلى في جنوب آسيا، خليط مدهش من الأديان بين البوذيين والهندوس والمسلمين والمسيحيين.
هي الجزيرة التي تنتج أجود أنواع الشاي في العالم، استُعمرت من قِبل الهولنديين والبرتغاليين وأخيراً بريطانيا. اختارها رائد كتابات الخيال العلمي الفذّ البريطاني آرثر سي كلارك، مكاناً لعقود طويلة من الزمن لإقامته الدائمة حتى وفاته. سجلت سريلانكا سابقة في غاية الأهمية، حينما تم انتخاب السيدة سبريمانو باندرانايكا في عام 1960 لتصبح أول سيدة في منصب رئيسة وزراء في التاريخ.
ولا يمكن ذكر سريلانكا من دون ذكر الأحجار الكريمة المكتشَفة من أراضيها وخصوصاً الزفير النفيس الأزرق، المعروف بالزفير السيلاني. والآن تأتي الأخبار أن تنظيماً إرهابياً قام بالأعمال الدموية وأعلن مسؤوليته... تنظيم جديد في اسمه، ولكن يحمل نفس السموم المدمرة مثل تلك الموجودة لدى «داعش» و«حزب الله» و«القاعدة». لا أعلم عدد المرات التي كتبتُ مندداً الإرهاب وأعمال الإرهاب وفكر الإرهاب، ومع كل حادثة دموية يطرح السؤال نفسه مجدداً؛ هل هناك أمل في القضاء على هذه الآفة؟ هل حقاً قمنا بما يجب عمله حقيقة؟! الإرهاب ينبت في كل مكان ما دامت تتم تغذيته بالأفكار السرطانية، وإذا لم يتم التعامل مع هذه الأفكار السرطانية على أنها ورم خبيث يجب قطع وصول الدم إليه. وهي المسألة التي وعاها الألمان بعد الحرب العالمية الثانية بخصوص موقفهم من النازية والطريقة العنيفة التي تعاملوا بها مع كل ما له علاقة بهذا الفكر المتطرف الدموي، وتم تجريمه ومنع تداوله واستئصاله من الجذور بلا هوادة ولا مجاملة. وهذه المسألة إلى الآن لم يتم التعامل معها في العالم الإسلامي، إذ تبقى الأدبيات «التكفيرية» متداولة ويتم الدفاع عنها على أنها جزء من «التراث» و«كنوز الأمة». وفي مكان آخر يتم الإبقاء على زعيم تنظيم إرهابي يحمي مجرمين مطلوبين للعدالة، ويؤثر على سياسات البلد كافة، يهدد كل معارضيه ويعتبرونه رمزاً دينياً كما يحصل في لبنان. آراء تكفّر من يخالف في داخل الدين الواحد وتبيح قتله، وهذا موجود في كل طائفة.
إذا لم نستطع إقناع أنفسنا بأننا قادرون على التسامح، وننزع الخطاب التكفيري فيما بيننا، هل باعتقادكم نستطيع إقناع الآخرين؟ سؤال مؤلم والجواب عنه أشد إيلاماً.
حتى سريلانكا وصل إليها الإرهاب، وصحيح أنها عانت لسنوات طويلة من معالم إرهاب سياسي انفصالي هندوسي من عصابة نمور التاميل، إلا أنها قضت عليه أمنياً وسياسياً في عام 2009، ليأتي إليها الفكر الإرهابي بعد أن تم استيراده من الخارج وزرعه محلياً فيها باسم محلي وإرهابيين محليين، ولكن الفكر الإرهابي يبقى واحداً.
المشوار لا يزال طويلاً في مكافحة الإرهاب، ولا يزال العلاج الكيماوي مطلباً للتعامل مع أورام التطرف السرطانية.