د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

القبيلة ودعم الاستقرار في ليبيا

اجتماع القبائل الليبية لدعم الجيش الليبي والدولة المدنية، خطوة مهمة ستعزز الخطوات نحو الاستقرار، فالقبيلة تُعدّ النواة الأولى للعمران عند ابن خلدون، الذي جعل من القبليَّة والمال دعامتين أساسيَّتين في قيام الدولة، ولم ينكرها كوحدة مكونة لها. ومخالفة الناموس والقانون الإنساني وسُنّة الله في خلقه هي التي أضاعت المجتمعات، وجعلتها رهينة لأحزاب وتنظيمات جمعتها المصلحة والنفوذ والاحتكار، فالشعوب جعلها الله مكوَّنة من قبائل وليس من أحزاب، كما ورد في القرآن. وقد كان الرسول عليه السلام يعقد الرايات في الحرب للقبائل، ولكنه في الوقت نفسه كان يرفض التعصب لها.
وهناك صورة نمطية بائسة للقبيلة، تنشرها الأحزاب ومَن يدور في فلكها، مستشهدين بحروب داحس والغبراء والبسوس وغيرها، لإلقاء اللوم على القبيلة، بينما الحقيقة غير ذلك، وهذا اختزال وتسطيح لحقيقة القبيلة، التي شكّلت حاضنة مجتمعية ورافد استقرار مهماً في أي بلد تركيبته المجتمعية قبلية، وليست حزبية، وليبيا أحد المجتمعات التي مكونها الرئيسي بل والأوحد هو القبائل.
ولكن تبقى أهمية أن تنتقل القبيلة من مفهوم القبلية إلى الدولة بشكلها الحديث؛ فالقبيلة هي وحدة اجتماعية تربط الإنسان بالتراب والتراث والتاريخ، وبالتالي من الصعب، بل من المستحيل، أن تفرِّط القبيلة في التراب والتراث والتاريخ، ويصعب اختراقها من سماسرة الأرض.
فالمشهد في ليبيا لم يتملكه أي نزاع بين القبيلة والدولة، بل بالعكس كانت القبيلة مؤسِّسةً للدولة، فالقبيلة والقبائل هي التي شكلت ليبيا بجغرافيتها الحالية باتحاد ولاياتها الثلاث، برقة وفزان وطرابلس، فالوطنيون هم مَن كتبوا دستور الاتحاد، ولم تكتبه الأحزاب السياسية، التي لا وجود يُذكر لها، ولا أي قوى أخرى، وبالتالي فإن القبائل كتبت عقداً اجتماعياً تعايش عليه الليبيون سنوات ضمن سلم مجتمعي لم يُسجل فيه أي حروب أهلية، بل إن ما شهدته ليبيا من حروب كان بسبب التناطح الحزبي بين أحزاب وتنظيمات وكيانات مؤدلجة وأخرى وافدة، ولم تشهد ليبيا أي حرب قبلية أو نزاع قبلي، حتى تلك التي حدثت في فبراير (شباط) كانت بين مؤيد للنظام وآخر معارض له، فتجد الأخ في طرف والآخر في جانب آخر، وحتى التي حدثت في الجنوب كانت بين مهرّبين وقُطّاع طرق وخليط من الطرفين كانت تجمعهم المصلحة والنفوذ لا القبيلة.
القبائل الليبية، وعبر تاريخ طويل، منذ زمن مقاومة الاستعمار والاستيطان الإيطالي، تعرضت للقمع والزج بها في المعتقلات الجماعية، عقاباً لها على دعم المقاومة، كما أثبتت أنها محور الاستقرار في ليبيا، وأنها مؤسِّسة وحدتها، في زمن الاستقلال وصياغة الدستور، ولهذا يُعتبر التعويل عليها في حل الأزمة الليبية الخيار الأصوب، رغم تجاهل البعثة الدولية للأمم المتحدة لدور القبائل، وركونها إلى أحزاب كرتونية لا تمثل 3 في المائة من المجتمع الليبي.
القبائل الليبية في أغلبها قبائل عربية متجانسة اجتماعياً، وأغلبها يتحدر من بني سليم، وحتى قبائل المشواش والليبو تعود في أصولها إلى ملوك التبابعة العرب. بمعنى أن هذه القبائل منسجمة في ما بينها.
القبيلة في ليبيا كانت حاضنة مجتمعية لمظاهر الدولة، فالقبائل هي التي احتضنت الجيش الليبي والشرطة عندما حاول تنظيم «الإخوان» الإرهابي إسقاط مظاهر الدولة المدنية، إذ سارعت إلى الالتفاف حول الجيش الوطني والشرطة المدنية اللذين يُعتبران أهم عناصر تكوين الدولة المدنية، في حين تكالب تنظيم «الإخوان» الإرهابي وإخوته على طمس تلك المظاهر، بل وإحلال ميليشيات مؤدلجة، وجعلها موازية للجيش الوطني المكون من جميع مكونات القبائل، ليستبدل به التنظيم الإرهابي عناصر ميليشيات ولاؤها للتنظيم والمرشد العابر للحدود، وأصبحت ميليشيات الدروع الإخوانية قوى موازية للجيش الوطني، وولاؤها عابراً لحدود الوطن، مما يؤكد أن من باع الوطن وتاجَر بأرضه وتاريخه وتراثه هو التنظيم والحزب الإخواني الإرهابي، وليس القبائل.
القبائل الليبية سبق أن قالت كلمتها في الشرق والجنوب، والآن في الغرب الليبي، وفي اجتماع مدينة ترهونة قالت مجتمِعةً: نعم للجيش الوطني، ولا للميليشيات.