حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

هجمات سريلانكا وصراع الحضارات

يبدو أن صمويل هنتنغتون صاحب النظرية الشهيرة لصراع الحضارات يفرك يديه هذه الأيام ابتهاجاً ببروز مؤشرات تسند نظريته، بعد أن تسارعت وتيرة الهجمات الإرهابية على دور العبادة لديانات ومذاهب مختلفة، من الهجمات الإرهابية الصادمة على مساجد في نيوزيلندا إلى الهجمات الإرهابية الصاعقة على عدد من الكنائس في سريلانكا إلى الهجوم الإرهابي على كنيس يهودي في سانتياغو في كاليفورنيا الأميركية، وقبلها هجمات إرهابية باستخدام الشاحنات كآلة «دمار شامل»، بل وصار لهذه الهجمات تطور نوعي، كالتوثيق التصويري والاحترافية الشديدة في تنفيذ الهجمات كما جرى في نيوزيلندا، إلى صعود اليمين المتطرف في الدول الغربية ونشوء «داعش» كأول دولة للتنظيمات الإرهابية، وهذا بالتحديد ما عزز نظرية صراع الحضارات، التي تقول بصراعات ما بعد الحرب الباردة وإنها لن تكون بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية (الدينية) هي المحرك الرئيسي للنزاعات بين البشر في السنين القادمة، ولسنا بحاجة إلى دراسات مسحية إحصائية حتى ندرك أن قوى التطرف والتشدد من أتباع كل الملل والنحل العالمية تقضم كل سنة مساحة كبرى من مساحات الاعتدال العالمية، فلدى قوى التشدد والإرهاب قدرة على التمدد ونقل فكرها القذر الخطر عبر القارات.
وعلى فرض صحة نسبة الهجمات الإرهابية على الكنائس السريلانكية إلى «داعش» أو من الدائرين في فلك فكرها وأن هجماتها الإرهابية على هذه الكنائس هو ثأر من الهجمات الإرهابية على مساجد نيوزيلندا، فهو يعزز ما سبق أن أشرت إليه، بأن رسالة «داعش» من هذه الهجمات وغيرها من الحوادث الإرهابية التي تركت بصمة التنظيم تقول إن دولته المزعومة ليست كأي دولة تقليدية لها حدودها السياسية والجغرافية، بحيث لو سقطت حكومتها سقط الكيان كله، بل يزعم أن دولته المزعومة هذه إمبراطورية خفية من نوع مختلف لا تغيب عنها الشمس؛ فباستطاعتها، من خلال خلاياها النائمة والمستيقظة الموجودة في أنحاء الكرة الأرضية من شواطئ كاليفورنيا غرباً إلى شواطئ الجزر الفلبينية شرقاً ومن أقصى شمال سيبيريا إلى أدنى جنوب أفريقيا، أن تحدد مكان المعركة فتطلق تعليماتها لإحدى خلاياها لتشعل شرارة معركة لا يعرف خصومها متى ولا أين ولا كيف ستبدأ. يريد تنظيم داعش الإرهابي بهذه الحوادث الإرهابية المتصاعدة أن يقول إن «خلافته» وفكره و«رعاياه» وأنشطته «باقية وتتمدد»، وإن الحكومات الغربية والشرقية التي ساندت تفتيت كيانهم في العراق والشام ستندم حين ينقل «داعش» المعركة إلى عمق كياناتهم.
وتتصاعد نظرية «صراع الحضارات» لتصدر الحكومة السريلانكية قراراً بحظر النقاب. وبغض النظر عن صحة مبرراته من عدمها، فهذا القرار سيعزز من مكانة المتشددين، وربما جلب لهم مزيداً من الأتباع أو في أقل الأحوال المتعاطفين. نظرية «صراع الحضارات» مثل كرة الثلج تتدحرج وتكبر ولا يبدو في المستقبل المنظور مؤشرات تحد من نموها المطرد.