مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

لمن تعزف مزاميرك؟

هذا المقال هو مجرد تحية مني لهذا الشهر الفضيل، الذي قال لنا سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».
كما يقول سبحانه: « وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم....».
ولعل مما يؤيد ذلك ما كتبه الطبيب الأسترالي المرموق، ليك بيرتور، مؤكداً على أن الصيام هو ممارسة شائعة في عالم الحيوانات والطيور والحشرات على حد سواء.
وبالنسبة للبشر، فالمصريون القدماء عرفوا الصوم في أعيادهم، والهندوس كانوا يصومون أياماً معدودات، بل إنهم بالغوا في ممارسته إلى درجة إذلال النفس وإتعاب الجسد.
حتى العرب في الجاهلية كانوا يصومون عن الأكل وعن مباشرة النساء عند الحروب كي تستعد نفوسهم لملاقاة الأعداء بعيداً عن اللذة وشهواتها.
والرسالات السماوية الكبرى ذكرت تلك الفريضة في كتبها المقدسة، ففي التوراة كان الصيام فريضة ملزمة، وما زال اليهود المتدينون منهم يصومون.
وجاء في القرآن الكريم أن المولى عز وجل خاطب مريم حين وضعت عيسى، عليه السلام، قائلاً: « فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً».
وما زال المتدينون المسيحيون يصومون ما يقارب أربعين يوماً.
أما الصوم في الإسلام فهو فريضة من دعائم الإسلام لا يصح الدين من دونه، فهو ركن من أركان الإسلام يكفر جاحده ويفسق تاركه لغير ضرورة.
شرعه الله تعالى على المسلمين في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة بعدما حُوّلت القبلة إلى الكعبة، وكان ذلك بعد مضي نحو ثمانية عشر شهراً من الهجرة.
يجب أن يعلم كل جاهل أو متجاهل أن الصوم في الإسلام ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، وإنما أيضاً نبذ القبيح من الأعمال والأقوال، وكذلك الابتعاد عن الشهوات أثناء الصيام؛ وذلك لتزكية نفس المسلم وتهذيبها، كما أن الصيام يزيد من قوى التلاحم في المجتمع؛ لأن الصائم أثناء صيامه يشعر بأخيه الجائع والمسكين، وهو شهر تكثر فيه الصدقة والإحسان وأعمال الخير.
أما ما نشاهده ونعايشه من بعض الفئات في هذا الشهر الفضيل، من التبذير والسفه والجشع بكل صوره، فهو مع الأسف لا يمت للصوم ولا للذوق ولا للأخلاق ولا للإنسانية بأسمى معانيها بأي صلة.
ومثل هذا الكلام يقال كل سنة مع دخول هذا الشهر، لكن لا حياة لمن تنادي، وما عليك إلا أن تقول: لمن تعزف مزاميرك يا داود.