داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

عن أي تفاوض يتحدث النظام الإيراني؟

إيران ترفض. إيران تُحذر. إيران تُهدد. إيران تحشد. إيران تتظاهر. شبعنا من هذا الكلام المكرر الممجوج طوال السنوات الأخيرة حتى فقد معانيه. إيران لا تتعلم الدرس من كوريا الديمقراطية التي ظلت خلال العقدين الأخيرين ترفض وتُحذر وتُهدد وتحشد وتتظاهر، ثم ركب الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون طائرته الرئاسية وقطاره المدرع من بيونغ يانغ إلى قرية ليست على الخريطة اسمها «بانمونغوم» الحدودية بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. هناك بحثا في مايو (أيار) 2018 فرص توقيع اتفاق سلام بينهما بعد 65 عاماً من اتفاقية هدنة أوقفت حرباً طاحنة ومكلفة استمرت بين عامي 1950 و1953.
حين عبَر الرئيس الكوري الشمالي أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جان إن، الخط الفاصل بين حدود البلدين وتصافحا وابتسما، تصافحت الدنيا وابتسمت للرجلين. وتكرر المشهد بشكل أكثر إتقاناً على الطريقة الهوليوودية حين اجتمع في يونيو (حزيران) 2018 الرئيس الكوري أون مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في منتجع كابيلا في جزيرة سنتوسا في سنغافورة، وتصافحا وابتسما وتبادلا المجاملات.
صحيح أن اجتماع الشمالي مع الجنوبي، واجتماع الشمالي مع الأميركي لم يحققا شيئاً على أرض الواقع، لكنّ كلا الاجتماعين أكد أن طريق السلام أسهل كثيراً من طريق الحرب. وتكرر الاجتماع في العاصمة الفيتنامية هانوي بلا بيان ختامي، وترك الرئيسان الباب مفتوحاً أمام محادثات أخرى.
أما إيران المتغولة على العرب والدنيا كلها فهي لا تعرف إلا لغة التهديد والوعيد، وهي تعتقد أن صمت العالم أمام تدخلها الوحشي السافر في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين وغزة وأفغانستان يمكن أن يمّر بسلام، مطمئنةً إلى أن ميليشياتها الطائفية التي يقودها حرس الثورة قادرة على رسم خرائط جديدة في المنطقة، ودعم حكومات طائفية هزيلة تأتمر بأوامر قاسم سليماني ولاريجاني وروحاني وتُقبّل أيادي خامنئي سمعاً وطاعة.
والذي يقرأ تصريحات رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني الذي أعلن فيها رفض بلاده لـ12 شرطاً كانت حددتها الإدارة الأميركية قبل بدء أي مفاوضات جديدة حول أسلحة نظام الملالي النووية والباليستية، يذهب به الظن إلى أن زعيم الصين أو قائد روسيا أو رئيس فرنسا هو الذي يتحدث بهذا «الزعيق» الاستعراضي. ونسي لاريجاني أن العقوبات الأميركية ضد بلاده صارت عقوبات دولية بحكم الأمر الواقع، والاقتناع الأممي والإقليمي بأن الوقت قد حان لاقتلاع محور الشر الحقيقي في المنطقة، الذي لا يقل خطورة عن شرور دولة الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين.
يثرثر رئيس مجلس النواب الإيراني بما سمّاه «كرامة الإيرانيين التي تدوسها الشروط الـ12 الأميركية». والسؤال له ولكل مسؤول إيراني: متى احترمتم كرامة العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين والبحرينيين والفلسطينيين والأفغان؟ ما فعلته إيران في دول المنطقة هو استباحة غير مسبوقة منذ عهود الاستعمار القديمة ثم منذ الغزو الأميركي العدواني على العراق في 2003، أم أن الدماء العربية، في نظر المرشد الأعلى، حلال والدماء الإيرانية حرام ومقدسة بفعل دعوات والدي لاريجاني وسواه من النظام الحاكم؟
هذا نظام شاذ وشائك ومارق ولا يقيم وزناً لأي قوانين عالمية واعتبارات دينية وحدود إقليمية ومياه دولية. نظام يمنح نفسه سلطة عليا على كل دول الجوار مستغلاً النبرة الطائفية الضيقة وانتشار الفساد والجهل والأمية والتعصب الأعمى. وهو يهدد دول الجوار بالميليشيات المنفلتة التي ترفع شعارات ورايات طائفية مثل: «حزب الله»، والحوثيين، والعصائب، وسرايا السلام، والخراساني، والطاغوت الجديد الذي يحمل تسمية «الحشد الشعبي» الذي ذهب إلى محافظة نينوى ليحررها، لا من «داعش»، ولكن من أهلها العرب السُّنة!
الشروط الأميركية ليست شروطاً تنتقي منها إيران ما تشاء وتدع البقية، فهي شاملة يُكمل أحدها الآخر لتقليم مخالب الشر والشرور في كل المنطقة. وليس سراً أن أحد أسباب العجرفة الإسرائيلية والتمادي في العدوان الإجرامي على الفلسطينيين العُزل في القدس وغزة وغيرهما، هو هذا التناغم الهارموني المسلح مع النظام الإيراني الذي يمارس نفس الأسلوب العدواني مع دول الجوار، متذرعاً بأن الطريق إلى القدس يمر في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وغزة وأي مدينة أخرى تنمو فيها أظافر الميليشيات الطائفية.
وكالعادة في صراع مفتعل على الساحة الإيرانية بين من يسمونهم «الصقور» و«الحمائم» انبرى قاسم سليماني للتنديد بـ«الشروط» الأميركية وردّ عليه روحاني بأن «الإيرانيين رجال مفاوضات» وجاراه في ذلك وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي قال: «إيران جاهزة للتفاوض»!
التفاوض على ماذا؟ على إسقاط النظام اليمني أو البحريني أو اللبناني؟ أو إطلاق أيدي طهران بلا رقيب أو حسيب في العراق وسوريا؟ أو السماح لإيران بالمضي قدماً في برامجها التسليحية النووية والباليستية؟ أو زرع المزيد من الميليشيات في دول المنطقة وخارجها؟ أو استمرار عمليات الاغتيالات والاعتقالات التي بدأت باغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريري وعشرات الألوف من العراقيين الذي اغتالتهم الميليشيات الإيرانية ومئات الألوف من المعتقلين والمفقودين؟
هل يمكن التفاوض مع نظام الملالي الإرهابي على هذه الشروط؟
في الواقع إن أي تفاوض مع الجانب الإيراني ينبغي أن يتوسع في الشروط ولا يختزلها، وأول هذه الشروط هو دعم الإرادة الشعبية الإيرانية لتغيير هذا النظام الوحشي الاستبدادي، وامتداداته الميليشياوية لتستريح المنطقة من التحذيرات والتهديدات الفارغة والحشود الإرهابية.