إميل أمين
كاتب مصري
TT

واشنطن ـ طهران و««بريينغ مانتيس» 2»

حين تحدث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو منذ بضعة أيام عن تقديرات بلاده وأجهزتها الاستخبارية لنشاط إيراني وتصعيد محتمل في المنطقة، بل تهديدات جادة من قوات النظام الإيراني، لم يكن الرجل يتحدث من فراغ، بل كانت لديه معلومات قطعية عن تجهيزات إيرانية لإشعال منطقة الخليج العربي، وربما كذلك حوض البحر الأبيض المتوسط، عبر وكلائها، ومن خلال تهريب صواريخ مختلفة الأنواع، منها ما هو باليستي، ما استدعى تحريك طائرات «بي - 52» من قواعدها في جزيرة «دييغو غارثيا»، في المحيط الهندي.
الأمر الشديد الندرة في تحركات الولايات المتحدة العسكرية في العقود الأخيرة.
في أوائل الشهر الحالي كانت سفينة إيرانية تحمل صواريخ إلى ميناء مصراتة الليبي، بغرض نقلها إلى متمردي طرابلس والإرهابيين هناك، فيما يبدو أنه استعداد لإفشال أي جهود أميركية على الأراضي الليبية، بل محاولة إعاقة حركة قطع البحرية الأميركية في مياه المتوسط.
المتابع للوكالات الاستخبارية التي تعرض قراءاتها على الشبكة العنكبوتية في مقابل مالي لتقارير مثيرة، يدرك أن هناك من حلفاء واشنطن وغالباً إسرائيل، هم من زوّد الأميركيين بمعلومات حاسمة عن قوارب متنقلة تحمل صواريخ، كفيلة بإحداث أضرار كبيرة في الخليج العربي حيث مصالح واشنطن، وكذا مصالح حلفائها ستكون مهددة.
السؤال الجدير طرحه؛ هل طهران والملالي بالفعل جادّون في خيار المواجهة العسكرية مع الجانب الأميركي؟
العقلانية تقتضي تؤدة وتفكيراً عميقين قبل الجواب، مع استعمال وسائل مساعدة في التفكير تتصل بتصريحات وتطورات المشهد الإيراني الداخلي.
لتكن البداية محاولة استقراء توجهات وشهوات قلب قائد «الحرس الثوري» الإيراني الجديد اللواء «حسين سلامي» الذي ادّعى ذات مرة أن هناك في لبنان أكثر من 100 ألف صاروخ قائم جاهزة للانطلاق، في إشارة لا تخطئها العين جهة من ستوجه إليه تلك الصواريخ.
في فبراير (شباط) الماضي، كان «سلامي» يتوعد بخطط «لكسر أميركا وإسرائيل وحلفائها»، ومضيفاً: «يجب على قواتنا البرية أن تطهر الكوكب من - ما سماه - قذارة هذا الوجود».
خبرة «سلامي» البحرية العسكرية تلفت النظر، فقد كان الرجل مسؤول عمليات قاعدة نوح البحرية، أثناء الحرب مع العراق، ما يربط بينه وبين خطط طهران لنشر صواريخ في مياه الخليج، ومحاولة إعاقة الملاحة الدولية في مضيق هرمز.
يدرك الإيرانيون أن إدارة الرئيس ترمب حاسمة وجازمة في قرارها تصفير نفط إيران. الأمر الذي يعود بنا إلى رؤية طهران التي لم يبح بها كبار ملاليها، وهي إغلاق المضيق حال عدم تمكنهم من تصريف منتجاتهم النفطية.
على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد غير المقبول أصلاً من واشنطن وبقية عواصم العالم، ولا سيما أنه مع ارتفاع كل دولار في سعر برميل النفط، يدرك الأميركيون أنه يوفر لخزينة القيصر الروسي ملايين الدولارات. الأمر الذي يعني أرباحاً غير مقصودة لأحد أكبر الخصوم الاستراتيجيين للولايات المتحدة.
الإيرانيون لديهم بالفعل خططهم لإلحاق الضرر البالغ والأذى الكبير بالقوات الأميركية في العراق وسوريا، ومن هنا يمكن للمرء أن يقرأ بعمق أبعاد زيارة بومبيو إلى بغداد، وتأكيداته لقادتها بأن واشنطن ملتزمة بأمنها، ما يمكن أن يعد تطميناً رسمياً ومحاولة في الساعة الحادية عشرة لتأكيد وجود العراق الرسمي على الأقل في صفّ العم سام.
لن يقصر وكلاء إيران من الحوثيين في اليمن أيضاً عن إبداء تعاطفهم مع مواليهم، وذلك من خلال تدبير هجمات في باب المندب لإعاقة مرور السفن الدولية الحاملة لتجارة العالم ونفطه على حد سواء.
هل تنوي واشنطن الحرب على إيران؟
مؤكد يبقى خيار استخدام القوة العسكرية حاضر أبداً ودوماً على طاولة القوة العسكرية الأولى في العالم، غير أن جون بولتون، صقر المحافظين الجدد، يؤكد أن واشنطن لا تسعى إلى الحرب، لكنها من خلال قوة النيران الهائلة التي أرسلتها للمنطقة تبعث برسالة واضحة لإيران، مفادها أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها سيقابل بما يعيد للإيرانيين ذكرى قارعة حلت بهم العام 1988... ماذا عن هذا؟
باختصار غير مخلٍ، حدث في 14 أبريل (نيسان) من ذلك العام أن اصطدمت فرقاطة الصواريخ الموجهة الأميركية «يو إس إس صموئيل» بلغم بحري، حين كانت تبحر في مياه الخليج العربي. الأمر الذي أحدث بها ثقباً بقطر 4 أمتار ونصف متر في هيكلها، قبل أن تنقذها البحرية الأميركية من الغرق.
خلال التحقيقات، أدرك الأميركيون من الأرقام المسلسلة على الألغام أنها إيرانية، ومن هنا كانت القارعة التي استمرت 4 أيام عبر عملية «بريينغ مانتيس» (فرس النبي)، وكبدت إيران منشآت بحرية واستخباراتية على منصتي نفط، وإغراق 3 زوارق سريعة مسلحة، وفرقاطة واحدة، وزورق هجومي، وإصابة الفرقاطة سابالان، وفقدان نصف الأسطول العملياتي، ومقتل 55 عنصراً من البحرية الإيرانية.
وبمقارنة القوات البحرية والجوية والصاروخية الأميركية القائمة، والقادمة في المنطقة هذه الأيام، بما توافر وقت تلك العملية «فرس النبي - 1» من حضور لوجستي للأميركيين، تضحى فوهات الجحيم مفتوحة على الإيرانيين....
هل نحن على مقربة من ««بريينغ مانتيس» - 2»؟