محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

وحيداً في الصالة... من الخيال وإليه

سمعت حركة وراء الباب. سحبت مسدسي وفتحت الباب بقوّة. وجدت بطل الفيلم يقف في منتصف الغرفة وقد تخلص من قيوده.
قلت له: ماذا تعتقد إنك تفعل؟
أجاب: أحاول الهرب… كما ترى.
ضحكت ضحكة ساخرة طلبها مني المخرج ثم قلت: «وكيف تعتقد أنك ستفعل ذلك. سترميني بالحبل؟}.
رفعت يدي وهي تحمل المسدس مصوّباً إياه مباشرة إلى صدره.
«إرجع مكانك والا سأطلق عليك النار...».
عند هذه اللقطة احترق الفيلم. دوري الصغير الذي كنت سأطلق فيه الرصاصة على البطل لولا أنه سيفاجئني برمي الكرسي على يدي ثم اجتياز المسافة بيننا بلمح البصر ضاع وسط احتجاجات المشاهدين في الصالة بعدما توقف العرض وارتسمت على الشاشة تلك البقع الكيماوية التي يتألف منها شريط السيليلويد.
عندما أفقت وجدت نفسي في أرض الصالة ذاتها وقد خلت من الجمهور. وقفت على قدميّ واتجهت إلى الباب لأجده موصداً. يبدو أنني غبت عن الوعي طويلاً. كان عليّ الانتظار لما بعد فتح الصالة أبوابها قبل ظهر اليوم التالي. خرجت منها متسللاً واتجهت إلى الاستوديو لكي أستعيد دوري في الفيلم. الغريب أنني كنت أمر بالناس فلا يشعر بي أحد. هنا أدركت بأنني غير مرئي.
كنت أتسلى بهذه الحكاية قبل بضع سنوات لأقول للمستمع إنني شخصية غير موجودة في الحياة. خرجت من فيلم بوليسي أميركي تم إنتاجه سنة 1948 احترق أثناء العرض ومن يومها أحاول الرجوع إلى الخيال ولا أستطيع. عمري لا يكبر ولا تتغير ملامحي فأنا لست موجوداً في الدنيا… أنا مجرد خيال يبدو حقيقياً.
لكن بينما كنت أضحك للخاطرة، أدركت أن البعض أخذ يرتاب في أنني فقدت عقلي. أحدهم سألني: «محمد… هل ذهبت إلى طبيب نفسي للكشف عليك وتحديد السبب الذي تعتقد فيه إنك لست موجوداً في هذه الحياة؟».
وقال آخر وقد اعترى وجهه الجد: «لن أصدق ما تقول». له أجبت: «لكنني أمزح وبالطبع لا أريدك أن تصدق». أما الأول فنظرت إليه مبتسماً وقلت له: «عزيزي… ألا تستطيع التفرقة بين الجد والمزح؟ أمزح».
لكنه مال برأسه جانباً كما لو كان رأسه سيقع على كتفه الأيسر واستمر ممعناً ولم يقل شيئاً.
قررت بعد حين أن لا أمزح مع أحد بخصوص هذه الخاطرة... هذا إلى أن قررت أن أكتبها لكم الآن. بيننا أتمنى لو كنت مجرد شخصية مرسومة على الورق وممثلة على الشاشة… لكن حتى ذلك أمر صعب المنال.