سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

قصة أول انقلاب عسكري

دخل العقيد حسني الزعيم التاريخ العربي من باب لم يقتحمه أحد من قبل. قلب الحكم المدني المنتخب في دمشق، وأرسل الرئيس الوطني شكري القوتلي إلى السجن، وأعلن الأحكام العرفية، وانتهى بعد 137 يوماً مرمياً بالرصاص من أقرب رفاقه، وكرت السلسلة الدموية والعبثية في كل مكان.
في كتابه الأخير «صانعو سوريا الحديثة: نشوء وسقوط الديمقراطية السورية 1918 - 1958» يروي المؤرخ الدكتور سامي مبيض (بالإنجليزية) حكاية ذلك اليوم العاصف من 29 مارس (آذار) 1949. وقصة المغامر الذي قلب حياة دمشق الهادئة، ربما إلى الأبد.
يتمتع الدكتور مبيض بسمعة أكاديمية موثوقة. وإذ أحاول تلخيص الفصل المتعلق بعاصفة «موسوليني سوريا» كما وصفه الرئيس الأميركي هاري ترومان، أغامر أيضاً في نقل بعض العلاقات المنسوبة إلى الزعيم، التي نقلها بدوره عن وثائق رسمية، أو مؤرخين جديين، مقراً بأن ما ورد فيها مفاجئ جداً وإن كان ربما معروفاً لدى بعض من عاشوا المرحلة.
إذن، فجر 29 مارس، وقد بدأ الدمشقيون التوجه إلى أعمالهم، لاحظوا مشهداً غير مألوف: الدبابات على الطرق وإحدى فرقها تتجه نحو القصر الجمهوري في «بستان الريس». واتجهت فرقة أخرى نحو منزل رئيس الوزراء خالد العظم. أما الثالثة فإلى محطة الإذاعة في شارع النصر. وكانت مهمة فرقة رابعة اعتقال رئيس الشرطة أحمد اللحام، والناشر وجيه الحفار، الذي لم ينسَ الزعيم كتاباته ضده في حرب فلسطين. تم الانقلاب دون إطلاق رصاصة واحدة، بإشراف الزعيم نفسه، يساعده صديقه ومستشاره أكرم الحوراني، النائب الاشتراكي الذي كان يقر جميع البلاغات قبل إذاعتها. وحملت البلاغات جميع أنواع التهم لحكومة القوتلي: «الأخطاء والفوضى والخيانة والسرقة وخرق الدستور والتعدي على الحريات الديمقراطية». وإلى آخره.
كان أمام منزل القوتلي حارس عسكري واحد تم تجريده من سلاحه بسهولة، واقتحم الضباط المنزل فوجدوا أنفسهم في مواجهة الرئيس. وقرأ أحدهم، إبراهيم الحسيني أمر الاعتقال: «أنت موقوف فخامة الرئيس». فقال القوتلي بكل هدوء «بأمر مِن مَن؟، فرد الحسيني: «بأمر القائد الأعلى للقوات المسلحة». عاد القوتلي يقول: «لكنني أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة». قال الحسيني: «لقد كنت القائد لكنك لم تعد كذلك، صاحب الفخامة».
يتابع الدكتور مبيض: «نقل الرجل الذي سمي (أبو الاستقلال) من منزله إلى سجن المزة تحت تهديد السلاح. لم يقاوم ولا حاول العسكريون، على غير عادة، أن يوجهوا له الإهانات. ولا وضعت الأصفاد في معصميه. أمضى الليلة في زنزانة باردة، لكنه أصيب بنزف معوي، فأمر الزعيم في اليوم التالي بنقله إلى مستشفى يوسف العظمة العسكري».
إلى اللقاء...