خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

تداخل الأمثال الشعبية

كثيراً ما يقع الحافر على الحافر فيتكرر المثل عند قوم وقوم. لا عجب أن يصدق ذلك على الشعوب العربية والشرق أوسطية. بيد أن الحافر يقع على الحافر حتى بين الشعوب الأعجمية. نحن نقول إن الطيور على أشكالها تقع ويقول الإنجليز إن الطيور حسب ألوانها تطير سوية birds of a feather fly together. الإنجليز يراقبونها وهي تطير ونحن نراقبها وهي تحط. لا عجب في ذلك فكلنا أبناء آدم فنلتقي في الملاحظة.
يصدق ذلك على القول الشعبي «شمّع الخيط». نسمع هذا المثل في العراق ومنطقة الخليج وبلاد الشام وربما سواها من بلداننا العربية. ويرجع هذا المثل إلى حكاية صبيان الإسكافية وتهربهم من عملهم بذريعة تشميع الخيط لسيدهم صاحب العمل الإسكافي. والقصة هي أن الإسكافي (صانع الأحذية) يمد خيوطه على امتداد الزقاق وما بعده ويطلب من عماله تشميع هذه الخيوط لتقويتها بالشمع. يحدث أن بعض عماله، وقد زهقوا من هذا العمل المضني والمتعب، يعمدون إلى المضي في التشميع حتى يتجاوزوا الزقاق ويختفوا بين الجمهور ويتهربوا بذلك من العمل. يخطر لسيدهم أن يتفقدهم: أين محمود أو أين عبد الله فيجيب عنه الآخرون بالقول إنهم ماضون في تشميع الخيط. ومن هنا شاع المثل «شمّع الخيط»، دلالة على تهربهم من عملهم بحجة تشميع الخيط!
وهناك حكاية شعبية أخرى وراء المثل خلاصتها أن لصاً دخل بيت الإسكافي لسرقته مما اختزن فيه. بيد أن الإسكافي شعر به فمسكه وشرع بضربه وتسليمه للشرطة. ولكن اللص قال له، رويدك يا رجل، دعني أشرح لك الموضوع. لقد جئت ودخلت بيتك لأنني اشتريت منك حذاء وتمزق في بحر أيام قليلة. والسر في ذلك أنك لا تشمع خيوطك في خياطة الحذاء فتتقطع. وها أنا جئت لمجرد الشكوى من صنع أحذيتك. وأرجو أن أرشدك إلى متانة تشميعها.
سأله الإسكافي وكيف يمكن تشميع خيوطي بما يفوق متانتها الحالية؟ فقال له اللص: هات بكرة الخيط، وهات علبة الشمع وأنا أريك. فجاءه الإسكافي بهما. فقال اللص للأسطى الإسكافي: «أمسك هذا الطرف من الخيط وقف ها هنا في دكانك». ثم أخذ اللص بقطعة الشمع وانطلق يشمع بها الخيط من حيث كانا واقفين. وراح اللص يمضي في عمل التشميع شيئاً فشيئاً حتى خرج من الدكان وتجاوز منعطف الزقاق ودخل في زقاق آخر واختلط بين الجمهور ورمى بقطعة الشمع من يديه وهرب. وبقي الأسطى الإسكافي ينتظر عودته عبثاً.
وعندما اكتشف حقيقة ما جرى ورأت الزوجة ما حدث، التفتت إلى زوجها، كما تفعل سائر النساء عندما تسنح لهن الفرصة فقالت له: «يا غبي، يا مغفل، يا خايب. هذا الحرامي شمع الخيط وانهزم». وسار قولها مثلاً يتردد على ألسنة الناس.