أمير طاهري
صحافي إيراني ومؤلف لـ13 كتاباً. عمل رئيساً لتحرير صحيفة «كيهان» اليومية في إيران بين أعوام 1972-1979. كتب للعديد من الصحف والمجلات الرائدة في أوروبا والولايات المتحدة، ويكتب مقالاً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» منذ عام 1987.
TT

يجدر بالمدافعين عن طهران تغيير خطابهم

من مشكلات النقاش الموضوعي الهادئ لأمور تتعلق بإيران اليوم، أنها قد اتخذت طابعاً آيديولوجياً بدرجة لا تسمح بالتفكير فيها بشكل عقلاني إن لم يكن بشكل تحليلي. وقد أشرت خلال مشاركتي في حوار تلفزيوني مسائي مؤخراً، لمناقشة عملية «تخريب» أربع سفن في ميناء الفجيرة الإماراتي، إلى عدم وجود دليل يؤكد هوية الطرف الذي يقف وراء تلك العملية، وفي الوقت ذاته أشرت إلى تحريض صحيفة يومية بارزة في طهران على القيام بتلك العمليات قبل هجوم الفجيرة بيوم واحد.وبطبيعة الحال تعرضت للهجوم من جميع الأطراف، حيث زعم البعض أنني بحديثي عن عدم وجود دليل يؤكد الطرف الضالع في الهجوم كنت أحاول حماية الملالي، في حين زعم البعض الآخر أن تذكير الناس بتحريض صحيفة «كيهان» اليومية، التي تعبّر عن آراء «المرشد الأعلى» علي خامنئي، على القيام بمثل تلك العمليات يشير إلى رغبتي في إدانة الجمهورية الإسلامية من أجل إرضاء «مشعلي الحروب الأميركيين».
ظهرت مجموعة من الشخصيات في سلسلة من البرامج الإعلامية المتتالية، من بينهم سفيران بريطانيان سابقان لدى إيران، كمدافعين عن الملالي، في حين تحدث وزير دفاع ووزير خارجية سابقان بريطانيان كأن لديهما دليلاً دامغاً على تورط طهران.
من جانب نجد المستريبين، الذين يتشككون دون وجود سبب بالضرورة، في أي شيء له علاقة ما بالإسلام حتى لو كانت تلك العلاقة زائفة. من الجانب الآخر، نجد الذين يرون مؤيدي الخميني كملائكة، أو يدّعون معاداتهم لأميركا حتى إذا لم يكن ذلك التوجه سوى ادّعاء.
وقد أقرّ محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، ذلك بأسلوبه الذي يشبه أسلوب تاجر أبسطة، حين قال إنه إذا لاحظ أحدهم وجود الجمهورية الإسلامية فذلك بسبب معاداة قادتها لأميركا أو تظاهرهم بذلك. بعبارة أخرى يمكن القول إن معاداة أميركا تدعم نظاماً فاشلاً آيلاً للسقوط من الواضح أنه غير قادر على إدارة مطعم كباب لا مجتمع عصري نامٍ. وقال ظريف إنهم سوف يكونون «أشبه بباكستان» في أفضل الحالات دون معاداة أميركا، وأضاف قائلاً: «مَن يهتم بأمر باكستان»؟
أميل إلى الاعتقاد بأن جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني، قد وافق على العمل لصالح إعلام «الحرس الثوري» الإيراني ليس فقط من أجل المال بل بسبب الموقف الإيراني المعادي لأميركا، وهو السبب نفسه الذي حوّله إلى بوق للنظام الفنزويلي. كذلك نجد على الطرف الآخر من الطيف السياسي مارين لوبان الفرنسية، التي رغم كراهيتها لكل ما هو إسلامي، تؤيد الملالي لأنهم يعادون أميركا، وأيضاً يكرهون اليهود.
الوضع أكثر تعقيداً في الولايات المتحدة، حيث أصبحت الجمهورية الإسلامية مسألة جدلية بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، وأمراً مكروهاً بالنسبة إلى الجمهوريين. وقد سمعنا خلال حفل عشاء خاص في لندن مؤخراً أحد الأعضاء البارزين في الحزب الديمقراطي الأميركي يكرر الترهات التي يقولها الملالي كل يوم لتبرير تصرفاتهم الغريبة. ما كان يهمّ ذلك القيادي البارز هو أن الملالي كانوا يتحدون خصمهم المشترك دونالد ترمب.
من غير المستغرب أن تتم إعادة تنظيم جماعات الضغط الممولة من إيران، والتي تخضع لسيطرتها، في الولايات المتحدة، كأدوات حشد للمساعدة في إخراج ترمب من البيت الأبيض. في الوقت الذي يبدو فيه من الصعب على الأميركيين تقبل تفضيل الملالي، تقوم الحيلة على تصوير الملالي على أنهم محبون للسلام، والأميركيين على أنهم مشعلون للحروب. لذا يتم تصوير ترمب، وجون بولتون، مستشار الأمن القومي، ومايك بومبيو، وزير الخارجية، وبراين هوك، المسؤول عن الملف الإيراني، على أنهم فرسان رؤيا يوحنا الأربع، وتصوير كل من خامنئي ومؤيديه على أنهم رسل السلام والوئام.
لا تسأم فيديريكا موغيريني، السيدة التي تعمل مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أياً كان ما يعنيه هذا، من التظاهر والادعاء أن سلوك الملالي العدائي نتيجة «للتنمر» الأميركي.
لنعد مرة أخرى إلى عملية الفجيرة. لا أعرف بعد على وجه اليقين مَن نفّذ عملية التخريب تلك. مع ذلك إليكم ما نصحتْ به صحيفة «كيهان» قبل الهجوم: «حلنا واضح. رداً على التكلفة الاقتصادية للعقوبات المفروضة علينا يجب علينا أيضاً إجبار الطرف الآخر على دفع الثمن بحيث لا تظل تلك الحرب من طرف واحد... لدينا القدرة على تسديد لكمات اقتصادية في وجه العدو. يعتمد حلفاء أميركا في المنطقة، خصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات، بشكل كبير على شيئين هما النفط والأبراج المصنوعة من الزجاج التي شيدوها حول الخليج العربي والبحر الأحمر. يجب علينا ضرب الشريان الأساسي لهاتين الدولتين وهو صادراتهما من النفط، ويمكننا القيام بذلك في المحيط الهندي والبحر الأحمر. من المؤكد أن مثل تلك العملية سوف تجبر قادة كلٍّ من السعودية والإمارات على السعي وراء إحلال السلام مع إيران».
فيما يلي ما قاله أمين أربشاهي، مدير وكالة أنباء «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، في معرض احتفائه بهجوم الفجيرة عقب الواقعة: «تم إضرام النيران في ميناء الفجيرة، الطريق الحيوي الوحيد لتصدير النفط السعودي والإماراتي. لقد فتح أبناء المقاومة النيران على بُعد بضع خطوات عن مضيق هرمز. ينبغي على تجار الخوف أن يعلموا أن الحرب مستمرة منذ سنوات ونحن نتجه نحو المرحلة الأخيرة».
ينبغي على كلٍّ من كوربين، وموغيريني، وجون كيري، وغيرهم من المدافعين عن الملالي، إعادة النظر في هذا الأمر. لا يكفي أن تكون معادياً لأميركا أو حتى لترمب حتى يتم تصنيفك تلقائياً في معسكر الملائكة، فمن الممكن أن تكون معادياً لأميركا ولترمب وتظل كريهاً وظالماً للناس ومشعلاً للحروب. لا يقدم المدافعون عن نظام الحكم العتيق في طهران بالضرورة خدمة له، بل إنهم بتبريرهم لسلوكه التدميري التخريبي يشجعون على استمرار السياسات التي قادت الجمهورية الإسلامية إلى مأزق مُهلك ربما يؤدي إلى ما هو أسوأ إذا لم ينجحوا في الخروج منه. ينبغي على الأصدقاء الحق للجمهورية الإسلامية، إن لم يكن لإيران كأمة، نصح الملالي بالنزول من برجهم العاجي وإدراك أنهم لن يتمكنوا من القيام بمثل ما قام به صدام حسين دون عواقب.