اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» أجهزة المخابرات السورية بأنها «تحتجز وتخفي وتضايق» السكان في المناطق التي تمكنت القوات الحكومية من استعادة السيطرة عليها، رغم توقيع «مصالحات»، الأمر الذي أكدت عليه مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالتزامن مع تقرير ثالث تضمن وقائع عن انتهاكات أجهزة الأمن و«توغلها» في الدولة والمجتمع.
وتمكنت القوات الحكومية في الفترة الممتدة بين فبراير (شباط) وأغسطس (آب) 2018 من استعادة السيطرة على منطقة الغوطة الشرقية وأحياء في جنوب دمشق ومحافظتي درعا والقنيطرة جنوباً بعد هجمات عسكرية تبعتها اتفاقات «تسوية» تم بموجبها إجلاء عشرات آلاف مقاتلي المعارضة والمدنيين الرافضين للاتفاق.
وقالت المنظمة الحقوقية في تقرير إن «أفرع المخابرات السورية تحتجز وتُخفي وتُضايق الناس تعسفياً في المناطق المستعادة من الجماعات المناهضة للحكومة» لافتة إلى أن هذه «الانتهاكات تحدث حتى عند إبرام الحكومة اتفاقيات مصالحة مع الأشخاص المعنيين».
ووثقت المنظمة «11 حالة احتجاز تعسفي واختفاء في درعا والغوطة الشرقية وجنوب دمشق»، ونقلت عن منظمات محلية توثيقها حدوث «500 حالة اعتقال على الأقل في هذه المناطق منذ أغسطس» الماضي. وقالت مديرة «قسم الشرق الأوسط» بالإنابة في المنظمة لما فقيه: «انتهى القتال الفعلي في معظم أنحاء سوريا، لكن لم يتغير شيء في طريقة انتهاك أفرع المخابرات لحقوق المعارضين المحتملين لحكم الأسد». وأوضحت أنه «حتى في مناطق المصالحة المزعومة، يطغى عدم مراعاة الأصول القانونية الواجبة، والاعتقالات التعسفية، والمضايقات، على وعود الحكومة الفارغة بالعودة والإصلاح والمصالحة».
وطالت عمليات الاعتقال والمضايقة وفق المنظمة، مقاتلين سابقين ومنشقين وناشطين معارضين وعاملين إنسانيين وقادة مجتمع وناشطين إعلاميين وآخرين ممن بقوا في مناطقهم «ووقعوا... اتفاقيات مصالحة مع الحكومة».
ودعت المنظمة الحكومة السورية إلى «الإفراج فوراً عن جميع المحتجزين تعسفياً، أو توضيح أسباب وجيهة لاحتجازهم إذا وُجدت». كما طالبت روسيا بـ«استخدام نفوذها مع حليفتها سوريا لوقف الاحتجاز التعسفي والمضايقات».
ولعبت موسكو، حليفة دمشق، دوراً بارزاً في إبرام اتفاقيات التسوية بين الحكومة والفصائل المعارضة في مناطق عدة بدءاً من مدينة حلب في نهاية عام 2016. وتنتشر عناصر من الشرطة التابعة لها في مناطق عدة في درعا والغوطة الشرقية.
ونقلت المنظمة عن أقارب وأصدقاء أشخاص محتجزين أنه «أُخلي سبيلهم فقط بعدما دفعت عائلاتهم رشوة، وفي بعض الحالات، بعد طلب تدخل أعضاء رفيعي المستوى من لجان المصالحة أو الشرطة العسكرية الروسية».
وقال عامل إنساني من درعا للمنظمة: «الذين يخبرونك بوجود استقرار أو أمن في الجنوب يكذبون. لا تزال هناك اغتيالات واعتقالات تعسفية، وما زال السكان يعانون من الاضطهاد».
وطالبت 8 منظمات حقوقية دولية وسورية، بينها «العفو الدولية» و«هيومان رايتس ووتش»، قبل أسبوع المجتمع الدولي بالضغط على أطراف النزاع كافة في سوريا للكشف عن مصير عشرات آلاف المخفيين قسراً والمحتجزين بشكل تعسفي.
وتعدّ قضايا المعتقلين والمفقودين من أكثر الملفات تعقيداً في النزاع السوري الذي أودى منذ اندلاعه في عام 2011 بحياة أكثر من 370 ألف شخص.
من جهتها، قالت «مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان» في جنيف إنه «بعد مرور 10 شهور على اتفاقيات المصالحة التي أرسيت دعائمها في محافظة درعا بجنوب غربي سوريا، تلقى مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عدداً من التقارير المثيرة للقلق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وإساءة المعاملة من جانب الجهات الحكومية وغير الحكومية في المحافظة، بما في ذلك عمليات الإعدام، والاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والنهب، والاستيلاء على الممتلكات. فضلا عن أن المساكن المناسبة، ومرافق المياه، وخدمات التعليم، وغير ذلك من الخدمات الأخرى الأساسية، لا يزال من الصعوبة بمكان الحصول عليها بالنسبة لكثير من السكان».
وتلقى المكتب تقارير تفيد باعتقال أو احتجاز ما لا يقل عن 380 شخصاً، حيث «في كثير من الحالات، تظل أسباب أوامر الاعتقال تلك غير واضحة تماماً، وليست هناك معلومات كافية تتحصل عليها عائلات المعتقلين بشأن أماكن وجودهم وأوضاعهم الحالية. وفي بعض الحالات، كانت أوامر الاعتقال تتم بناء على الاشتباه في الإرهاب». وأضاف: «بين 380 حالة اعتقال، تم إطلاق سراح نحو 150 شخصاً بعد قضاء بضعة أيام قيد الاحتجاز، ولكن هناك 230 شخصاً على الأقل تعرضوا للاختفاء القسري. ومن بين المعتقلين، تم إلقاء القبض على 17 منهم في نقاط التفتيش التابعة للحكومة السورية على مشارف المناطق الواقعة تحت سيطرتها لكون المعتقلين مدرجة أسماؤهم على (قوائم المطلوبين) حكوميا. وفي إحدى الحالات، توفي اثنان من المحتجزين في السجن الحكومي بعد مرور بضعة أيام من الاحتجاز في مارس (آذار) لعام 2019، وتم إبلاغ عائلاتهم رسمياً بوفاتهم، من دون مزيد من المعلومات عن سبب أو كيفية الوفاة. كما لم تتسلم عائلاتهم جثثهم حتى اليوم. ولا يزال كثير من العائلات في محافظة درعا يحصل على معلومات قليلة أو لا يحصل عليها مطلقاً بشأن الأقارب من المفقودين أو المحتجزين لدى الحكومة».
في السياق نفسه، كشفت آلاف الوثائق، التي تم العثور عليها في مكاتب حكومية مهجورة، عن مدى نفوذ وتوغل أجهزة الأمن الغامضة التابعة للرئيس بشار الأسد التي سعت إلى التصدي للانشقاق والتمرد بأي ثمن، وذلك بحسب تقرير حقوقي تم نشره أمس، بحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» في بيروت. توضح الوثائق، التي حصل عليها «المركز السوري للعدالة والمساءلة» في واشنطن، أن أجهزة الأمن، التي كانت تتجسس على أفراد الشعب بشكل كبير، كانت تستهدف القضاء على الانشقاقات من خلال الاعتقال أو الترهيب أو القتل وممارسة الاضطهاد المنهجي ضد الأقلية الكردية حتى قبل اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس الأسد عام 2011.
يقدم التقرير، الذي حمل عنوان: «للجدران آذان... تحليل وثائق سرية من قطاع الأمن السوري»، والذي يستند إلى عينة مكونة من 5 آلاف وثيقة، بعض أدلة الإدانة التي توضح تدخل الدولة على أعلى مستوى في التنكيل الدموي بالمحتجين والمنشقين والمتمردين وحتى بالصحافيين الأجانب في سوريا. كذلك تقدم الوثائق لمحة نادرة عما يحدث داخل أجهزة الأمن التابعة للأسد وعن كيفية مراقبتها حياة السوريين اليومية على نطاق واسع. كانت الأوراق، المكتوب بعضها بخط اليد، تتضمن أوامر من قيادات عليا باعتقال أفراد و«القيام بكل ما يلزم» لقمع التمرد وإنهاء الاضطرابات.ذكرت إحدى الوثائق تفاصيل عن إبلاغ رجل عن شقيقه لدعمه الاحتجاجات المناوئة للأسد، وطلبه من القيادي في جهاز الأمن الحصول على تصريح من أجل الإيقاع بشقيقه في فخ. وأشارت وثيقة أخرى، من أحد أجهزة الأمن العليا في البلاد، وهو «مكتب الأمن الوطني»، إلى وصف صحافية فرنسية من أصل لبناني بأنها «محرضة على الاحتجاجات»، ومنعها من دخول البلاد.
وتضمن كثير من الوثائق أسماء كثير من المحتجين، مع وصف كثير منهم بـ«الإرهابيين» دون دليل، في حين تضمنت وثائق أخرى تفاصيل عن سياسة الحكومة الرامية إلى احتواء ومراقبة النشاط السياسي للأقلية الكردية.
قال محمد العبد الله، مدير المركز: «توضح الوثائق أن الأوامر كانت مركزية وتصدر عن مسؤولين رفيعي المستوى؛ من بينهم رؤساء لأجهزة الأمن شخصياً، ومن مكتب الأمن الوطني؛ بحسب ما أشار كثير من الوثائق». وأضاف: «يثبت هذا الانتشار لوحدات الجيش، والمراقبة واستخدام القوة المفرطة، واضطهاد الأكراد، إلى جانب طبيعة الأوامر، ممارسات الدولة المنهجية، ويمكن استخدام تلك المعلومات دليلاً يؤكد مسؤولية الدولة السورية والمسؤولية الجنائية للأفراد عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».
تم جمع الوثائق من مدينة الرقة ومدينة الطبقة في شرق سوريا عام 2013، ومن محافظة إدلب الواقعة غرب البلاد عام 2015، بعد انسحاب القوات الموالية للنظام. استخلص كل من المركز الحقوقي المتخذ من واشنطن مقراً له، ومحققون من مركز مستقل آخر هو «لجنة العدالة والمساءلة الدولية»، ما يزيد على 400 ألف وثيقة حكومية وأجروا لها جميعاً مسحاً ضوئياً وقاموا بتحويلها إلى صيغة رقمية. وقدم المركزان بالفعل المساعدة إلى ممثلي ادعاء أوروبيين من أجل إقامة قضايا ودعاوى جنائية ضد مسؤولين سوريين.
وثائق تكشف عن «توغل الأمن» واعتقالات في مناطق «المصالحات»
وثائق تكشف عن «توغل الأمن» واعتقالات في مناطق «المصالحات»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة