زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

قوم عاد والفراعنة

اتصل بي صديقي الكاتب الصحافي الكبير ورفيقي في رحلاتي واكتشافاتي الأثرية عزت السعدني، وقال لي: «هناك شاب مصري يعيش في السعودية، وقد قام بعمل بحث طويل عن صلة قوم عاد بالفراعنة». وطلب مني أن أحضر إلى مكتبه لمقابلة هذا الشخص لمناقشته في هذا الموضوع. وفعلاً تم تحديد المقابلة. ووجدت أمامي شاباً يبلغ من العمر في ذلك الوقت (منذ نحو 12 عاماً) نحو 30 سنة. وقال: «الفراعنة من العماليق، وهم قوم عاد الذين ذُكروا في القرآن الكريم، وإن طول الناس في ذلك الوقت كان 15 متراً، وإن هذه الأهرامات لا يمكن أن يقوم ببنائها أشخاص عاديون؛ لأن نقل هذه الأحجار كان يتم عن طريق هؤلاء القوم، وكانوا يحملون هذه الأحجار الضخمة ويضعونها فوق قمة الهرم». وقال: «قد تم الكشف عن جبانة بسوهاج وعثر بداخلها على هياكل عظمية لأشخاص يصل طولهم إلى أطوال قوم عاد نفسها».
وقد نظرت إليه وأنا أضحك. وقلت له: «إن أطوال المصريين القدماء كانت في متوسط 5.6 قدم أو نحو 1.70 متر، ولا يوجد أي دليل على هذا الطول الذي تذكره». واتصلت بمدير آثار سوهاج أمامه ونفى العثور على جبانة بها أشخاص بهذا الطول. ونعرف أن هناك أيضاً الكثير من الباحثين الذين حاولوا أن يربطوا بين قوم عاد وبناء الأهرامات، واستشهدوا على ذلك بوزن الحجر، وكذلك المسافة من المحاجر إلى موقع الهرم، وأنه لا يمكن أن ينقله بشر عاديون بالحجم الطبيعي؛ لأن وزن الحجر يصل إلى 5 أطنان، وأن الفراعنة كانوا قادرين فقط على عمل المباني من الطوب اللبن، أما بناء الأهرامات، فقد قام به هؤلاء القوم الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم، وهم قوم عاد.
وقد أكدت دراسة تمت بهذا الخصوص أن كل هذه النتائج التي ساقها البعض لا تستند إلى أي دليل علمي واحد، خصوصاً لأن الله سبحانه وتعالى قد ذكر في كتابه العزيز: «وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ». (سورة الأحقاف، آية 21)، وذلك مع إجماع العلماء على أن الأحقاف هي جبال موجودة في الجزيرة العربية، وقد تكون في حضرموت، وهناك أدلة ساقها العلماء على أنها مدينة «إرم» التي عاش فيها قوم عاد، وقد تم الكشف عن جزء منها. وأضافوا أيضاً أن الأهرامات لم تحدث فجأة؛ بل سبقتها محاولات من عمل للمصاطب، ثم الأهرامات المدرجة، ثم الأهرامات الكاملة.
ولا بد من أن يعرف هؤلاء الباحثون أن مصر الفرعونية قد مرت بمراحل اضمحلال، ولدينا عصور اضمحلال ثلاثة، تقلص فيها حجم المقبرة الملكية، ولم تكن فكرة المشروع القومي موجودة خلال هذه الفترات. ويعمل في مجال الآثار كثير من البعثات التي كشفت عن جبانات ضخمة تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وإلى الفترات التاريخية المختلفة، ولم يُعثر داخل أي جبانة على هيكل عظمي واحد يصل طوله إلى المترين؛ لذا فإن كل ما قيل عن صلة قوم عاد بالأهرامات ليس له أساس من الصحة. وعموماً، فإن مجال الآثار مفتوح للتخاريف؛ سواء عن طريق إعلان اكتشافات وهمية؛ كما سمعنا عن كشف جنود فرعون موسى في قاع البحر الأحمر، أو صلة الأهرامات بأشخاص جاءوا من الفضاء، أو العثور على أدلة على وجود قوم عاد وثمود. ولا توجد صلة بين قوم عاد والأهرامات.