نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الفلسطينيون وقمم مكة

معارك الفلسطينيين المضمونة الفوز، هي تلك التي يخوضونها في المحافل العامة، مثل القمم العربية والإسلامية والأفريقية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وغالباً - إن لم يكن دائماً - يحصلون على كل ما يطلبون من عبارات الدعم السياسي. وكثيراً ما كانت اللجان التحضيرية للبيانات الختامية تطلب منهم صياغة العبارات التي يرغبون فيها، وفي التصويت القانوني الذي غالباً ما يكون مضموناً، تمر القرارات المتعلقة بهم، إما بأغلبية كاسحة وإما بالإجماع، فيعود السياسيون إلى شعبهم بإنجازات تحتمل القول بأن إجماعاً عربياً ودولياً يقف وراءهم.
القرارات الصادرة عن المحافل العامة هي الرصيد الأساسي الذي يستند الفلسطينيون إليه في محاججاتهم مع خصومهم. وقد بنيت الرواية الدبلوماسية الفلسطينية على أساس هذه القرارات.
غير أن خلاصات تراكمت على مدى عقود من الزمن، أنتجت يقيناً لدى الشعب الفلسطيني بانعدام الفاعلية لآلاف القرارات الدولية المؤيدة لحقوقهم، والتي ترفق عادة بجملة متكررة، مفادها أن السلام والاستقرار في المنطقة والعالم لن يسودا إذا لم تطبق هذه القرارات، دون أدنى إشارة لا من قريب ولا من بعيد لآليات التطبيق.
لا يلام الفلسطينيون حين يقيمون وزناً للقرارات المؤيدة لحقوقهم، غير أن طبقتهم السياسية تلام حين تبالغ في الاعتماد على هذه القرارات، وتواصل الجري لبلوغها دون كلل أو ملل، في الوقت الذي تنفذ فيه على الأرض قرارات معاكسة؛ بل ومناقضة، تتكفل بها قوة الخصم وأمره الواقع. فإن رفضت دول العالم سياسة إسرائيل ضد الفلسطينيين، فإنها في الوقت ذاته تطور علاقاتها معها، ما يفرغ القرارات المستنسخة من محتواها.
وفي قلب معمعة «صفقة القرن»، التي تم تأجيل الشق السياسي منها لعل الاقتصادي يسهم في تمريرها أو تطويق المعارضة الفلسطينية لها، فإن الفلسطينيين دخلوا بحكم التداعيات التلقائية للأحداث، في تنافس نفوذ مع الإدارة الأميركية في مجال القرارات العربية والدولية، فبينما تتبنى إدارة ترمب ورشة المنامة تحت عنوان «سلام من أجل الازدهار» وتعمل على استقطاب أقصى ما تستطيع من دول للمساهمة في هذه الورشة، يطلق الفلسطينيون حملة لإحباط المسعى الأميركي، ويعملون على مستوى القمم العتيدة في هذا الاتجاه، ويستعينون من أجل إضفاء الجدية على مسعاهم باعتذار روسيا والصين عن عدم المشاركة في ورشة المنامة، دون إغفال الموقف الأوروبي المتشكك؛ بل والمتأكد من عدم فاعلية «صفقة القرن» في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
غير أن صدفة لم تكن محسوبة وقعت هذه الأيام، ستبعد الجزء الأخطر من «صفقة القرن» (السياسي) عن التداول الساخن، وهي الأحداث التي تجري في إسرائيل على مستوى تعثر تشكيل الحكومة الجديدة، التي كان توقيت ولادتها السبب الرئيسي لتأجيل «صفقة القرن» إلى ما بعد تشكيلها. وإذا دخل الإسرائيليون في دوامة انتخابات جديدة، تليها دوامة ربما تكون أصعب، وهي بلورة ائتلاف حكومي جديد، فذلك كله لا بد أن يقود إلى تأجيل إضافي لا أحد يعرف إلى متى.
في قمم مكة، وإن كانت مخصصة لبلورة موقف عربي وإسلامي جماعي ضد التحرشات الإيرانية بدول الخليج، إلا أن المملكة الداعية والمستضيفة عملت على إرضاء الفلسطينيين وتهدئة مخاوفهم، وذلك ضمن السياق التقليدي لسياسة المملكة تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية. وللدبلوماسية السعودية ممرات ومسالك تتفادى الأزمات، وتبلسم جراح الفلسطينيين.