خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

جارك ثم جارك

الجيرة في العالم العربي والإسلامي عنصر مهم جداً في الحياة وترتبط به شؤون كثيرة في غاية الحساسية عندنا. فكثيراً ما يكون بناء الدار في وضع يمكن صاحبها من أن يسمع ما يجري في بيت الجيران من شؤون ويطلع على ما عليه أقرب الناس إليهم. وفي كل ذلك يقتضي عليه أن يغض بصره ويستر على جاره ويكتم ما عرفه من أمرهم. لهذا أصبح حسن الجوار من أهم عناصر الحياة الاجتماعية عندنا. وانعكس ذلك في كثير من الأشعار والأقوال والحكميات التي تتردد في التراث. «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم جاره».
وتردد ذكر الجار في كثير من القصائد، منها ذلك البيت الشهير للسموأل:
ما ضرنا أنا قليل وجارنا
عزيز وجار الأكثرين ذليل
وقال أحدهم في إكرام الجار والستر على أعراضه:
ناري ونار الجار واحدة
وإليه قبلي ينزل القدر
ما ضر جارا لي أجاوره
ألا يكون لبيته ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت
حتى يواري جارتي الخدر
وربما تنفرد الشريعة الإسلامية السمحة في إعطاء الجيرة حقوقاً خاصة، منها حق الشفعة، وهو حق الشخص في أفضلية الشراء عندما يباع بيت مجاور لبيته. ومن الطريف أن للإنجليز أيضاً حساسية كبيرة بالنسبة للجيران، عبروا عنها في كثير من الأمثال والأقوال والأفكار على طريقتهم الأنكلوسكسونية ومنها قولهم «السور الجيد يعطيك جاراً جيداً». وأمام موجة الجرائم المتصاعدة عمدت كثير من الدول الغربية إلى تطبيق «حراسة الجيرة» وهي أن يقوم كل مواطن بمراقبة البيوت المجاورة له والاتصال بالشرطة فور مشاهدة أي شيء غير طبيعي. ومن المعتاد في بريطانيا أن تجد على البيوت لوحات تقول «مراقبة الجيرة». تفهم منها أن سكان المنطقة يراقبون ما يجري فيها ويخبرون الشرطة حالما تقوم بأي شيء شاذ فيها.
من الأمثال الشائعة بيننا القول القائل «الجار قبل الدار». والمعنى واضح. أما أصل المثل فقد قيل إن رجلاً انتقل وعائلته إلى بيت جديد. وما كاد يستقر فيه حتى سمع طرقاً على الباب. ذهب ليجيب الطارق فإذا به جاره يطلب منه شيئا من الملح. أعطاه إياه. وبعد يومين أو ثلاثة، سمع نفس الجار وفي هذه المرة التمس شيئا من الخل. بعد أيام أخرى جاءه يستعير منه قدوراً للطبخ. بعد أيام أخرى، جلست زوجة الرجل تشوي بعض الكباب في الحديقة. وإذا بنفس الجار يطرق الباب. قال له إن زوجته حامل وشمت رائحة الكباب فتوحمت به. إذا ممكن يعطيها شيئا منه يقطع وحمها.
لم يجد الرجل خلاصاً من هذا الجار اللحوح غير أن يبيع بيته وينتقل لحارة جديدة. راح الدلال يعرض عليه بيوتاً مختلفة وراح يصفها له. فقال له: دعنا عن الدار ولكن حدثني عن جيرانها. لقد اكتشفت أن الجار يأتي قبل الدار. فسار مثلاً.