سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

مفكرة جدة: إشهار لا أسرار

بدت قمم مكة وكأنها استفتاء عربي خليجي إسلامي، حول ما هو الإسلام، وما هي الرسالة ومعانيها الحقيقية، وخصوصاً حول من يمثل روح الإسلام في العدالة والوسطية والعلاقة الحسنة مع العالمين. لذلك، اختار الملك سلمان بن عبد العزيز مكة شاهداً، لا موقعاً فقط. واختار استضافة المنتسبين إليها من حول الأرض شهوداً على ما يحصل للإسلام والخليج والعرب من قبل فريقين: واحد تمثله السعودية وحلفاؤها، وواحد تمثله إيران وتركيا، وإيواء عناصر الإرهاب وإعلان سياسات الترهيب، ومعاداة العالم أجمع وإطلاق الخطب والتصريحات اليومية في «تويتر» الأرض وتهديد الاستقرار.
لم يعد ممكناً تغليف بيانات القمة بالكلام المصقول. هناك خطر واضح ومعلن على الإسلام والعرب وخطر داهم على الخليج. أي رؤية أخرى إنكار عقيم. وها هي تركيا الإردوغانية تحرث دماً في الأرض العربية وسيادتها، تلاقيها من الناحية الأخرى فِرق اللواء سليماني. وإذا ما كان العرب يرون في النفط العربي سنداً، ها هو رهينة في أيدي سماكرة الخبرة الإيرانية وخريجي التفجير.
الرسالة الكبرى لإيران وتركيا كانت في المشهد: مَن يقف في جانب العروبة والإسلام والسلام، ومن يحرك الغطرسة المعادية في كل مكان. أراد الملك سلمان أن يكرر أمام العالمين أن الإسلام إشهار، لا عمل سري وتآمر واغتيال. جاء تسليم هشام عشماوي إلى مصر مع بداية قمم مكة، وكأنه هدية لها. ذلك ما سماه «نيوتن» في «المصري اليوم» «كلفة الإخوان»، والعمل السري والاغتيالات التي طالت الخصم جمال عبد الناصر والحليف أنور السادات. المسألة الكبرى في انحرافات عشماوي كانت في اقترافات خالد الإسلامبولي، الذي اغتال السادات. كلاهما ينتمي إلى الجيش والشرف العسكري. ولا بد أن تسمي إيران شارعاً باسمه غداً إلى جانب شارع الإسلامبولي.
كان الراحل الكبير الأمير نايف بن عبد العزيز يتحدث في أسى عميق كيف احتضنت المملكة «الإخوان»، وكيف تبين لها أن لهم وجهين، ثانيهما سري وتآمري ولا يقف عند حد. ذوو النوايا الحسنة لا يخجلون بنواياهم. وعن قمم مكة غاب رجب إردوغان، الذي حوّل إسطنبول إلى مركز تآمر سري ومركز تشهير علني ضد استقرار ركني العروبة والإسلام، مصر والسعودية.
بل هو حاول أن يبلغ - وليس طبعاً أن يقنع - الملك سلمان بأن القاعدة العسكرية التركية في قطر هي لصالح الخليج. طبعاً في صالح الخليج أن تكون هواية إحدى دوله جمع القواعد العسكرية، وإقامة كل أنواع التحالفات في وقت واحد: إيران، تركيا، وأميركا، وما سبق وما لحق. «وثيقة مكة» إعلان تاريخي ضد الازدواجيات والثنائيات والوجهين. وتقول الآية الكريمة بالمثنى عندما تقول: فبأي آلاء ربكما تكذبان.
إلى اللقاء...