إميل أمين
كاتب مصري
TT

العراق وإيران... أكلاف التحالف المر

مثل آلهة الإغريق القديمة، لا سيما الشريرة منها، تلك التي تصيب كل ما تلمسه أياديها بلعنات قاتلة، أضحت إيران في منطقة الخليج «ميدوزا الإغريقية»، بشعة المنظر، يتحول إلى حجر كل من ينظر إلى عينيها.
الذين قدر لهم متابعة أعمال القمة العربية التي انعقدت في مكة قبل بضعة أيام، أيقنوا أن العراق قد بات أسير تحالف مر، بل الأسوأ هو أن إيران تكاد تتسبب في خسائر استراتيجية لبلد الرشيد العروبي منذ أزمنة بعيدة، مبعدة بينه وبين محيطه الطبيعي وعلاقته التاريخية مع أشقائه العرب.
بدا العراق ضحية بصورة أو بأخرى، كما بان جلياً أن قراره السيادي لم يعد له، الأمر الذي ترجمه اعتراض الوفد العراقي على البيان الختامي للقمة، الذي ندد بسلوك إيران واعتداءاتها في المنطقة، رافضاً المشاركة في صياغته.
أفضل من وصف وضع العراق المؤلم مؤخراً جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، الذي اعتبر السيطرة الأميركية على بغداد مثل هيمنة الاتحاد السوفياتي السابق على دول أوروبا الشرقية خلال الأربعينيات من القرن الفائت.
سعت إيران، ولا تزال، لمد أذرعها الأخطبوطية داخل العراق عبر الاقتصاد تارة، ومن خلال السياسة وأعمالها تارة أخرى، فعلى أساس تبادل تجاري سنوي يصل إلى 12 مليار دولار، استطاع النفوذ الإيراني في الانتخابات التشريعية 2018 أن يضمن لـ«تحالف الفتح» المدعوم من الملالي في طهران 48 مقعداً، أي نحو 15 في المائة من مقاعد البرلمان العراقي، لتصبح ثاني أكبر كتلة نيابية.
«ميدوزا الإيرانية» داخل العراق هي التي تسلح الميليشيات الشيعية، والتي تقتطع حصة من الاقتصاد العراقي، وتتولى الأمن في بعض المناطق حتى بعد هزيمة تنظيم «داعش» فيها.
أدركت بعض الأصوات العراقية أبعاد الكارثة التي تكاد إيران تتسبب فيها للعراق والعراقيين، سواء اتفقنا أو افترقنا مع مواقف سابقة لها، إلا أنه ينبغي الإشارة إلى تحذيراتها وموضوعية تلك الأصوات المنذرة.
في مقدمة هؤلاء يجيء الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر، الذي كتب تغريدة على حسابه الرسمي في «تويتر» قال فيها «إن الحرب بين إيران وأميركا ستكون نهاية للعراق، وأي طرف يزج بالعراق في الحرب، ويجعله ساحة للمعركة، سيكون عدواً للشعب العراقي، والعراق بحاجة إلى وقفة جادة (مع كبار القوم)، لإبعاد العراق عن تلكم الحرب الضروس التي ستأكل الأخضر واليابس فتجعله ركاماً».
كثيرون آخرون غير السيد مقتدى الصدر يدركون الضريبة الغالية والعالية التي سيتكبدها العراق، من جراء إقحامه في صراع ليس له، لكنها إيران الملالي و«الحرس الثوري»، تلك التي لا تنتهج نهج الدولة «الويستفالية»، أو تعير المفهوم نفسه أي اهتمام ولا قيمة، ولا تبالي بالعراق أو العراقيين، وإنما تنظر إليهم بفوقية عرقية تاريخية، كبيادق على رقعة شطرنج في صراعهم مع العم سام.
ليس سراً أن خطط قاسم سليماني عبر «الحشد الشعبي»، ومن لف لفه، كفيلة بتحويل العراق إلى ساحة حرب بالوكالة مع الأميركيين، لا سيما وأن أوامر الرجل قد صدرت بالفعل، وخططه قد رسمت، ولعل هذا ما جعل رحلة وزير الخارجية الأميركي بومبيو إلى العراق مؤخراً، حاسمة وحازمة، وبنوع خاص إذا تعرضت حياة الجنود الأميركيين هناك للخطر.
هل يعني ذلك أن العراق قد سقط في الفخ الإيراني مرة وإلى الأبد؟
بالقطع لا، فعلى الرغم من الحصار الذي يشعر به العراق، لا تزال هناك كتل وأحزاب سنية وكردية، وأقليات عرقية ودينية داخل العراق، ترفض الركوع لـ«الملالي»، ولا تأبه لخطط سليماني، وقد تمكنت من رفض طلب أنصار طهران في البرلمان العراقي الخاص بسحب الجنود الأميركيين الذين يصلون إلى خمسة آلاف جندي من الداخل العراقي، بعد الجدل الذي حدث إثر زيارة الرئيس ترمب المفاجئة أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي لقاعدة عين الأسد الجوية.
تدرك المملكة العربية السعودية، بنوع خاص، أهداف إيران في العراق، ولهذا شرعت ولا تزال أبوابها للعراق والعراقيين، حكومة وشعباً، وعاودت فتح قنصليتها في بغداد للمرة الأولى بعد 30 سنة.
العراق يا سادة في حاجة إلى احتضان ودعم ومساندة عربية مكثفة، لانتزاعه من بين فكي الكماشة الإيرانية والأميركية معاً.
حقيق بالعراق أن يعود لعروبته كاملة غير منقوصة.